أعاد ملتقى الشربيني الثقافي عددًا من القضايا الأدبية والثقافية إلى الواجهه، وذلك لدى إنعقاده في مقره الأساسي بشبين القناطر، لمناقشة رواية «تلات ورقات» للأديبة د. منال الشربيني، بحضور كوكبة من الشعراء والنقاد والكتاب والصحفيين.
في مقدمة هذه القضايا أيهما أكثر إذدهارا في العصر الحديث الشعر أم الرواية؟ وهل هناك من يدفع الأموال الطائلة لإنتاج برامج ومسابقات لضرب الشعر بكل فنونه وإشاعة أنماط بعينها؟وهل الشعر كفن-الجاحظ يعتبره فن العربية الأول- تأثرت وظيفته في المجتمع؟وهل الدور الحقيقي للشعر هو النظم والإلقاء، وهل وظيفته هي القراءة والمتعة من دون تاثير في وجدان المتلقي، أم أن الشعر يجب أن يشتبك مع الواقع وقضايا المجتمع الساخنة حاليا؟وهل هناك شعراء يقومون بهذا الدور أم أنه لم يعد لهذه القضية المهمة وجود؟تفجرت هذه القضايا على وقع المناقشات، والدراسات التي ألقيت والمداخلات التي ميزت الأمسية ،ذلك أن كتابًا وشعراء ألقوا قصائدهم خلالها،طرحوا هذه الأسئلة وقدموا إجابات عنها .
شومان: تصنيفي للرواية أنها إثنوغرافية.. وهناك من يدفعون المليارات لضرب الشعر والشعراء
وبحسب الأديبة د. منال الشربيني ، فإن أمسية ملتقى الشربيني الثقافي كانت «أمسية ملكية». فقد وضع الحضور رواية «تلات ورقات» تحت المجهر ، فوصفت بأنها تلك الرواية الإثنوجغرافية/Ethnogeography، بتعبير سكه الشاعر والباحث مسعود شومان رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، الذي عقد مقارنات ومقابلات بين فن الرواية عندنا وعند الغرب..
وطرح شومان طرحا مفاجئا وخطيرا تمحمورت حوله الرؤي والنقاشات، حينما أشار إلى ما وصفة بمؤامرة البعض على الشعر العربي ، من خلال دفع ملايين الدولارات لإنتاج برامج ومسابقات هدفها تغيير ذائقة الناس والمراكمة في اتجاه نوع ما من الشعر.. ورفض مايشاع عن أن الرواية مزدهرة على حساب الشعر في هذا العصر .. وهو ما اختلف معه الكات الصحفى محمد هزاع الذي رأي أنه لا يوجد شعراء علامات في هذا الوقت. وقد أثار كلامه حماس الدكتور محمد إسماعيل فأكد ان هذا العصر هو الأزهي شعريا وأن هناك شعراء كبار لهم أسماؤهم مثل حسن طلب وأمجد ريان ومحمود قرني ومحمد رمضان وعماد ابوصالح الخ .
وكان مؤسس ملتقى الشربيني الثقافي الكاتب الصحفي محمود الشربيني افتتح فعاليات الملتقى بمقدمة تستحقها الكاتبة، ذكر فيها أن الرواية قد صدرت وهو خارج مصر، وأنه بدأ بمتابعة المبدعة شعرًا ، ولطالما أعرب عن تقديره لهذه الذائقة الفريدة .
وقال إن منال الشربيني لمعت في كل شيء، ناقدة وباحثة وشاعرة وروائية. وكانت توهجت في أثناء إقامتها وعملها في العاصمة الأردنية عمان (1983-2000) سواء صحافياً أو أديباً ، ونشرت آعمالها الأدبية في الصحف العربية والأردنية بصفة خاصة ، وصدر لها من قبل ديوان «ناي..نخيل حابي» في عمان وديوان «عند مفترق الذكري والخرافة» في القاهرة ، وصدرت روايتها تلات ورقات عام 2017 ، فيما قيد الطبع رواية «مرايا يونس».كما ترجمت العديد من الأعمال الأدبية الشهيرة ومن بينها رواية كازانوفا لأندرو ميلر .
د. هيام حسين: تلات ورقات كناية عن الحنجله والفهلوة واقتناص الفرص
استهل الكلمات في ملتقى الشربيني الثقافي بكلمة د. هيام حسين أستاذ الأدب الانجليزي بالمعهد العالي للغات/المنصورة والتي قدمت تلات ورقات نقدية عن الرواية: الأولى «ما بال النسوة»، والثانية «ما بين أرض السباب ورسائل هامان أدخلوها آمنين»، والثالثة «واضربوهن..» لقد قسمت منال الشربيني روايتها إلى ثلاث ورقات كناية عن «الحنجلة والفهلوه واقتناص الفرص لنماذج في حياتنا اليومية.
وتشير د.هيام إلى أن الرواية ولدت «من تصفحها لجريدة حوت عناوين ونماذج إنسانية وقومية عفية قوية …فقد وقعت عينا «ريم »-بطلة الرواية -على جريدة سياسية رسمت صورًا لزعماء العالم فرسمتهم بقلمها وكانت بداية لميلاد قلم واعد.. رسمتهم كما رأتهم ونفخت في قلمها من روحها لتصفهم» كرؤوس نعاج تتبع مسلوبة الإرادة، وآخرين يحملون المباخر التي تفوح منها رائحة الدم ودخان الخيانة، ونعوشا تحمل أضدادا من زعماء الشرق.. لكنها عندما تصل إلي مصر تصورها إمراة فتية تحمل طفلاً ،تبحث عن قوتها بعزة وكرامة وكأنها تعد ولدها ليكون جنديًا من خير أجناد الأرض، وخلال إنشغالها بحمل طفلها تركل قبيلة كلاب .
محمد إسماعيل: ليس صحيحا أن الشعر في انحسار.. بالعكس نعيش أزهي عصوره
ثم قدم الشاعر والناقد الكبير د. محمد السيد إسماعيل مداخلة نقدية جديدة، فقد سبق له أن درس الرواية وقدم عنها دراسة بعنوان «جماليات السرد المعرفي» في رواية تلات ورقات ..وقد كانت دراسته الجديدة «فارقة»-بحسب وصف د.منال – فقد تناولت أسلوب الرواية مستعرضة أهم الأحداث فيها، كما أشاد بدلالة استخدام الأسماء.استهل د. إسماعيل حديثه بقوله :الرواية فن موضوعي يستمد مادته من الواقع والمجتمع .وتحدث بداية عن مأسماه «وضعية السارد الداخلي المشارك في الأحداث.. مستشهدا بشخصيتين أساسيتين في الروايه وهما ريم المصرية التي هاجرت مع زوجها إلى الأردن، وفريدة إبنة خالتها الصحفية المترجمة الشاعرة التي تعيش في مصر» وقال إنه في بعض المواضع توظف وضعية السارد الخارجي العليم ( ضمير الغائب) وتناول المكان الذي تجري فيه الأحداث وهو قرية الجبل التي تحوي العديد من الجنسيات العربية.
للأسماء دلالاتها في رواية تلات ورقات.. والمناسبات الطقسية حاضرة وتنتمي إلى فصيلة السرد المعرفي
وعدد ملامح الابداع في الرواية ، منوها إلي لجوء الكاتبة إلي أسلوب المتوالية القصصية، والمناسبات الطقسية، والمقارنات بين مصر والأردن في وعي ريم، وتحدث عن مارصدته الرواية من صور مغلوطة في الوعي العربي عن المرأة العربية وعن أحلام تربط بين الحب الضائع والوطن الضائع.
ورصد المفارقة بين الرجال الذين يتفاخرون بأنسابهم واليهود الذين يرتعون على مقابر أجدادهم .ويرصد ملامح الاستبداد الأسري ، وتوظف الرواية تقنية الحلم والأساطير مثل أسطورتي فينوس وبروميثيوس ..وكذا رؤية المجتمع الشرقي للزاني والزانية والمطلقة والتدين الشكلي والمتاجرة في المقدس ومفهوم الجنس والأغاني الهابطة وتفسيرها لبعض آيات القرآن التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة.
ويمكن أن نقول إن الرواية بهذا المفهوم بمثابة سرد معرفي تمتزج فيه المعرفة بالفن بحرفية واضحة.
محمد هزاع: لا أعترف بمسألة الفن للفن مطلقًا.. والشعراء الكبار في انحسار
ثم جاءت رؤية الكاتب الصحفي الكبير محمد هزاع الذي تحدث عن الزخم المعرفي والجمالي في الرواية كما تحدث عن لغة الكاتبة الإنسيابية وأساليب الوصف المشهدي المتقن.. وقال إن علاقته بها طويلة وعميقة ومتابعة لكل مااكتبه سطر بسطر وتحاول إلقاء الضوء عليه، وأنا أيضا مهتم بما تترجمه وتكتبه من أدب وتنظمه كشعر. وتحدث عن فكرة الأنماط وانها مسالة عفا عليها الزمان، منذ زوال سلطة الكنيسة، حيث انفرطت عقود الآداب والفنون والعلوم.. وقال إنه من أنصار مدرسة إن للإبداع دوراً في التأثير على الواقع، «فالفن للفن مسالة لااعترف بها»، وإنه كلما كانت المعلومة موظفة توظيفا صحيحا في العمل الإبداعي فهي تضيف قيمة.
حينما اقرأ لمبدع يشغلني ماذا يقول، وماذا أضاف لي وهذا أساس تقييمي، وفي رأيي أن منال الشربيني في هذا الجانب -تقديم معلومة معرفية – عالية جدا ..وايضا قرات لها ترجمة لرواية أحد الكتاب الفلسطينيين وأدركت كم هي مهتمة جدا بتقديم إضافة معرفية للعمل المترجم.
الجانب الملفت للنظر أن اللغة المستخدمة في الرواية منحوته.. عالية جدا، وتجيد التعبير عما تريده، حتي أنه من الصعب إيجاد تعبير بديل لتعبير تستخدمه. ونوه بأن الرواية طرحت كل قضايا المرأة بشكل مكثف ..ورغم إن الرواية طرحت القضايا الساخنة إلا انني لم ألمس عداءها للرجل ، بعكس من يتكلمون عن قضايا المرإة من زاوية العداء للرجل.
مجدي صالح: لا أرفض نظرية المؤامرة التي أشار إليها شومان ولكن !
من ناحيته تحدث الكاتب الصحفي مجدي صالح فأعرب عن تقديره لإبداع منال الشربيني، وأضاف: ستظل كل هذه الفنون والألوان الأدبية تتحكم فيها ذائقة الشعوب، فهناك تقلبات مزاجية لدي الشعوب على مدي عصور، فقد كان الشعر عند العرب هو الفن الذي لافن سواه.. ثم اضطلع العرب على بعض الفنون الأخرى فاحبوها، ثم ملوا بعضها حتي إندثرت.. لو نظرنا إلى الرواية وهي فن غربي ونحن نقلناه عنهم وعربناه وأصبح لدينا نجوم يفوزون بجوائز نوبل ..فقد أصبحنا أساتذة في هذا الفن.
وعرج صالح على الفكرة التي طرحها الشاعر مسعود شومان وقال إنه ليس ضد فكرة المؤامرة تماما، ولكنه يجب إن نأخذها بحسبان ..فهناك كثير من الأمور تلقيناها بحسن نيه، ثم اكتشفنا أنها كانت تستهدف افساد ذائقة ما لدي الشعوب لكن في النهاية الرواية التي ترسخ عادات وتقاليد شعب بعين أديبة وناقدة تستحق القراءة والنقاش .
كما أشاد الشاعر شوقي نسيم بجماليات السرد، وألقى من شعره ما يضعه في مصاف الشعر الصافي.
لم تكن قد جاوزت عامها الخمسين
فالعمر للفقراء نزف للسنين
يضيق الحال
تبيع التوت في الأسواق
يطيب الحال
تتاجر في ثمار التين
تشرق الشمس
تهرول في طريق السوق
تغرب الشمس وقد عادت ببعض القوت للأطفال
وعلبة الدخان للزوج البدين
فالزوج كان مزارعا بالأجر
يبذر العمر نثاراً في حقول الموسرين
قبل أن يشكو كسرا في عظام الظهر
أورثه جبالا من انين
بالأمس مات الزوج
ونقود التوت ذهبت للكفن
وعلبة الدخان كامت من نصيب المغسلين
وأشاد الشاعر والرسام أحمد نصر باستحسانه للرواية ولكل كتابات منال الشربيني. ووصف شعرها بأنه ثري جداً
كما ألقى أحمد نصر قصيدة بديعة لاقت استحسان الحضور وتصفيقهم
القصيدة بعنوان لقاء وأمنية فيما يلي جانب منها:
طاف الحلم بساحة طهرٍ
حين رأيت الشيخ يراني
رحت أغض الطرف لأمضي
اخشي ان ينزعج لقربي
كي يتكبد من أشواق الناس اليه
جل الناس يحب الشيخ
وأنا فاض الشوق إليه
كان لزاما ألا امضي
عدت اقبل وجه البشر
حيث السمرة لا تمنعه ان يتلألأ
رحت اقبل بعد الوجه يديه
هم الشيخ يقبل كتفي
ثم تساءل أي الناس تكون بني ؟
كما استشهد أستاذ ايهاب حامد باطا بمقتطفات من الرواية تعكس جمال اللغة ورقة الأسلوب وجمال الصور الأدبية والمشهدية العميقة.
أما الشاعر البلبيسى الحريص على الحضور لملتقى الشربيني الثقافي بشبين القناطر محمد عبد العزيز شعبان فقد أبدى اعتذاره عن الحضور لظرف صحي.
وحضر الأمسية عدد كبير من الجمهور المستمع من النساء والفتيات اللواتي عن للكاتبة عن امتنانهن لطرحها لمشاكلهن التي يعانين منها.
دارت النقاشات بشكل حضاري راقي بين الجمهور والكاتبة والسادة النقاد.
واختتمت الأمسية بقراءات لأشعار منال الشربيني على رأسها قصيدة:«لإيثاكا»
ولقد تناوب معها الكاتب الصحفي محمود الشربيني قراءة أشعارها التي جاءت مزيجا من العامية الفاخرة عميقة المضمون سلسة اللهجة، والفصحى المدججة بالأبجدية الرائقة.
وتختتم المبدعة منال الشربيني الحديث بقولها أنها كانت أمسية ملكية، جهز لها محمود الشربيني بشكل يليق به وبضيوفه..وخلقت روح الإبداع حالة من الألق والتألق على جو المكان..
نون – القاهرة