علي مدي 6 أيام وبالتحديد منذ يوم 23 مارس الجاري، حبس العالم أنفاسه وهو ينظر الي أهم شريان مائي وأكثره ازدحاما ألا وهو قناة السويس، بعد جنوح السفينة البنمية «إيفر غيفن» في القناة المصرية بسبب سوء الأحوال الجوية. وهو ما أربك حركة التجارة الدولية، ورفع أسعار النفط عالمياً.
وظل العالم يترقب الأحداث وعرضت الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة، وسط اهتمام إعلامي عالمي بالحادث.
ومنذ أن جنحت السفينة ظهرت مهارة الإدارة المصرية للقناة.. تلك القناة التي تستحوذ على نحو 12% من حجم التجارة العالمية، وعملت إدارة القناة بقيادة الفريق أسامة ربيع، علي حل الأزمة ومحاولات تعويم السفينة الجانحة وتسيير حركة الملاحة. ووضعت لذلك سيناريوهات متعددة.
وتم البدء في مناورات الشد لتعويم سفينة الحاويات «إيفر غيفن» بواسطة 10 قاطرات عملاقة. تقوم بالعمل من أربعة اتجاهات مختلفة. حتي أعلن اليوم مستشار الرئيس لمشروعات محور قناة السويس، مهاب مميش، نجاح تعويم مقدمة سفينة «إيفر جيفن» العالقة في الممر المائي للقناة، منذ الثلاثاء الماضي.
ووصلت أعمال إزالة الرمال إلى عمق 18 مترا بواقع 27 ألف متر مكعب، من أجل تسهيل تعويم السفينة مع مناورات للشد تتم من ثلاث اتجاهات مختلفة، حيث عملت قاطرتان على شد مقدمة السفينة. فيما عملت 6 قاطرات على دفع السفينة جنوبا وشدت أربع قاطرات أخرى السفينة جنوبا.
السفينة البالغ طولها 400 متر وعرضها 59 متراً وحمولتها الإجمالية 224 ألف طن تسببت في توقف الحركة في المجرى الاستراتيجي فهبت الأيدي المصرية لحل المشكلة وتسيير الحركة الطبيعية للقناة، لتثبت للعالم أن مصر تمثل رمانة الميزان في استقرار حركة التجارة العالمية، بما تملكه من قدرات وإمكانات وعلى رأسها أهم ممر مائي في العالم «قناة السويس» وميناء شرق بورسعيد، أهم ميناء محوري عالمي في شرق البحر المتوسط.
وجدد الحادث الأخير لجنوح السفينة البنمية العملاقة «إيفر غيفن» في قناة السويس التأكيد على أهمية ومكانة القناة ومصر بشكل عام للتجارة العالمية، رغم محاولات التأثير على هذا الدور خلال السنوات الماضية، عبر وسائل بديلة لم تنجح في منافسة القناة، وأدرك القائمون علي التجارة الدولية وخاصة الإستيراد والتصدير ونقل البضائع والنفط الخام والمكرر والغاز سواء كانوا أفرادا أو شركات أو دول أهمية قناة السويس كممر ملاحي عالمي لا يمكن الاستغناء عنه فهي تمثل همزة الوصل بين مراكز الإنتاج والمستهلكين.
ويمر بقناة السويس 12% من التجارة الدولية و22% من تجارة الحاويات وقد ساهمت القناة الجديدة في زيادة هذه الأهمية بسبب تقليص فترة العبور حيث شهد العام الماضي مرور 18830 سفينة، بحمولة تتجاوز 1.7 مليار طن، وهذا يظهر أهمية القناة بالنسبة للتجارة العالمية.
وتعتبر قناة السويس أطول قناة ملاحية في العالم، ومع ذلك فإن نسبة الحوادث فيها قليلة جدا مقارنة بالقنوات الأخرى.. كما تجري حركة الملاحة فيها ليلا و نهارا.. وهي مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق.. كلما لزم الأمر لمجابهة ما يحدث من تطوير في أحجام وحمولات السفن.. ومزودة بنظام إدارة حركة السفن باستخدام أحدث شبكات الرادار والكمبيوتر.. لمتابعة حركة السفن والتدخل في أوقات الطوارئ.
ويعتبر النقل البحري الأرخص وسائل النقل في العالم.. ولذا يتم نقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة العالمية عبر الطرق والقنوات البحرية.. ومصر بدأت مبكرا المشاركة في مجال إجراءات تنظيم العلاقات التجارية العالمية.. حيث كانت ممثلة في مؤتمر صياغة ميثاق هافانا الخاص بإنشاء منظمة عالمية للتجارة عام 1947.. كما شاركت في مؤتمر الجات عام 1993.
وخلال مفاوضات الفصل الرابع للتجارة والتنمية في عامي 1964 و 1965.. تم إقرار المبدأ الذي نادت به مصر لمعاملة الدول النامية وفق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية.. وقد برز الدور المصري عند اختيار مؤتمر الدوحة لمصر ضمن مجموعة الدول المكلفة بصياغة البيان الختامي للمؤتمر. وكذلك في اليابان عام 2003.
ويوجد بمصر حوالي 44 ميناء تجاري أهمها ميناء الإسكندرية والكثير من الموانئ التخصصية وتنقسم إلى موانئ بترولية وعددها 11 وأهمها ميناء رأس غارب وموانئ تعدينية وعددها 7 وأهمها ميناء سفاجا التعديني (أبوطرطور) وموانئ سياحية وعددها 5 وأهمها ميناء بورت غالب وموانئ صيد وعددها 4 وأهمها ميناء الصيد البحري ببور سعيد، ومواني مصر البحرية هي نافذتها علي العالم الخارجي والشريان الحيوي الذي يغذي كافة قطاعات الاقتصاد القومي بما يؤثر في حركة التجارة الخارجية.
وشهد قطاع النقل البحري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي طفرة استثمارية كبرى وخاصة خلال عام 2018 حيث تم الإعلان عن عدد من المشروعات وتم البدء في تنفيذ محطتين متعدى الأغراض بمواني سفاجا و نويبع بتكلفة 850 مليون دولار وذلك لخدمة حركة التجارة بين مصر و العالم و الربط مع الدول العربية، مضيفا أن التجارة المصرية المنقولة بحرا عام 2019 بلغت 172 مليون طنا.
وقد جاء في تقرير التنافسية الدولية لعام 2017 – 2018 في مجال الموانئ البحرية تحسن ترتيب البنية التحتية للموانئ المصرية حيث احتلت مصر المرتبة 41 بعد أن كانت في المرتبة 66 عام 2014 – 2015 .
وفي هذا المجال أود أن أشير إلى ضرورة الإهتمام بالإقتصاد الأزرق الذي يرى البنك الدولي أنه سيكون الاقتصاد الأول فى العالم بحلول عام 2030 والذى يولد %30 من الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل فيتنام.
ويعرف الاقتصاد الأزرق بأنه الإدارة الجيّدة للموارد المائية وهي المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار لتحقيق التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي من الغذاء والقضاء على الفقر والنمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش وخلق فرص العمل مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي.
ويشمل الاقتصاد الأزرق قطاعات الصيد والنقل للركاب والبضائع واستخراج النفط والغاز من أعماق المحيطات والبحار.. ويمكن لمصر زيادة دخلها القومي بتريليون جنيه. حيث شهدت عدة دول صناعية تنمية اقتصادها الأزرق على نحو كبير من خلال استغلال الموارد البحرية. والشحن والصيد التجاري والصناعات النفطية والتعدينية.
وتقدر قيمة الاقتصاد الأزرق في جميع أنحاء العالم بحوالى 1.5 تريليون دولار سنويا. كما أن 80% من التجارة العالمية، يتم نقلها عبر البحار وترتبط 350 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم بصيد الأسماك .
ولدي مصر جميع مقومات الاقتصاد الأزرق حيث تطل على البحر الأبيض المتوسط بطول أكثر من 995 كيلو مترا. كما تطل على البحر الأحمر بطول أكثر من 1941 كيلو متر أخرى. كما تمر قناة السويس بالأراضى المصرية إلى جانب 5 بحيرات شمالية تطل على البحر المتوسط. وهى البردويل والمنزلة والبرلس و إدكو و مريوط. علاوة على البحيرات الداخلية. وهى البحيرات المرة وبحيرة ناصر و قارون وسيوة وبحيرة شيطانة وفنطاس وغليون وبورفؤاد. والتمساح و نبع الحمراء و والمأمور والمفيد وتوشكى وعين الحياة والصيرة وهى عين كبريتية.
عاشت مصر .. وعاش شعبها وقياداتها .. وعاشت كل يد تبني وتعلم وتصنع المستقبل