لن نشق الصدور لنعرف النوايا.
أقول ذلك لكل الذين يتساءلون «إن كان أردوغان صادقاً، أو أنه يمارس خديعة سياسية»، فنحن مثل غيرنا. لدينا حب جارف لنظريات التشكيك وتحوير النوايا، مع اختيار الأسوأ منها. فهذه طبيعة بشرية، خاصة عندما يكون الطرف الآخر له سوابق تسببت في إيذائنا. فمن حق من يسمع عن التقارب التركي المستحدث، أن ينظر للأمور بحذر وريبة!
قبل أشهر قليلة، كان الوضع في شرقي ليبيا بحاجة إلى شرارة، لتشتعل الحرب بين تركيا ومصر، بعد أن اقتربت القوات التركية والمرتزقة القادمين من سوريا والتنظيمات الإخوانية الليبية من حدودها، وأصبحت تقف على أبواب «سرت والجفرة». وبحكمة القائد، الذي لا يبحث عن الحرب والدمار، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، جملته التي أعادت العقول التي تاهت إلى مكانها «سرت والجفرة خط أحمر»، ووقف طموح كل الحالمين هناك، لم يتقدموا قيد أنملة، فالهاوية كانت سحيقة، ومن يقف عليها، مطالب بأن يفكر ويتدبر أمره، قبل أن يخوض في النار.
واليوم، نحن نشاهد صورة أخرى، انتزعت منها البندقية، وحلت مكانها يد تطلب السلام والوئام. بدأت ملامحها قبل أسابيع، عبر لغة أخرى، يتكلم بها قادة تركيا، تجاه مصر ودول الخليج العربية، وهو ما اعتبرناه تودداً يصل إلى حد الغزل، وطرحنا تساؤلات مشروعة وقتها. حول شروط المصالحة. وتجاوز كل ما حدث خلال عقد من الزمان، أولها مصير العلاقة التركية بالإخوان المسلمين، وبالأخص الهاربين من دولهم، وفتحت لهم أبواب إسطنبول، وثانيها. مصير المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا لمساندة الإخوان، وأما ثالثها، فهو يتعلق بالتدخل التركي في الشأن العربي والتمدد العسكري.
وصدرت خلال الأسبوع الفائت مبادرات، بدأت بوقف حملات محطات الإخوان الموجودة في الأراضي التركية ضد مصر ودول الخليج. ووقف منح قيادات التنظيم الإرهابي جوازات سفر تركية. والنظر في تسليم المطلوبين للعدالة، والطلب من قادة الميليشيات الليبية ترحيل المرتزقة السوريين، وهذه بوادر على حسن النية، نأخذ بها. ونترك المخاوف والتوجسات عند أصحاب الحل والعقد، فنحن لا نعرف ما تخفي الأضلع خلفها.