دارت رؤوسهم، وبرزت عيونهم، واتسعت أفواههم، وضربوا كفاً بكف. هكذا هو حال الذين خانوا أوطانهم بأرخص الأثمان، قبلوا بالغريب موجهاً وداعماً وحاضناً، أعجبتهم الإقامة في الفنادق، وصدّقوا بأن المبادئ تتقدم على المصالح لدى أهل السياسة، بهرتهم «الميكروفونات»، وظنّوا أن جلسات «الردح» دائمة، مثلها مثل إسطنبول، التي أسموها عاصمة الحرية، ومنحوا من فيها ألقاباً، نفضوا التراب عنها وأخرجوها من متاهات التاريخ.
الإخوان المسلمون، إخوان بلا إخوان، تضيق الحلقة حولهم، يكتشفون أنهم ليسوا أكثر من وسيلة، تستخدم حتى تستهلك، وتستنزف «سمومهم» التي ينثرونها حولهم، ومتى ما اكتفوا منهم، نبذوا كما تنبذ «المجروبة»، ولا يجدون أحداً من المشجعين يصفّق لهم، فقد آن الأوان أن يقضوا دهراً في «بيات»، عساه يكون أبدياً.
حالة الإخوان المقيمين في تركيا اليوم، توقظ الضمائر الميّتة، وتضخ دماً للعقول المتجمّدة، وتقدم لهم دروساً في الثقة والوفاء والولاء، فمن يخون بلاده، ويعمل ضد مصالح شعبه، ويضع يده في يد الأجنبي، لن يثق فيه الأجنبي، ولن يحترم وعوده وعهوده، ولا يستحق الإبقاء عليه، فهو عنصر طارئ بالنسبة للذين لهم غايات يريدون تحقيقها، ومتى تحققت، ينتهي دور الخونة.
هذه هي السقطة الأخيرة، والسنوات السبع المتبقية على إكمال هذا التنظيم الإرهابي النشأة والفكر والممارسة مئة عام. ستكون سنوات اضمحلال. فالسنوات العشر الأخيرة، كشفت عنهم «الأستار». وأظهرت حقيقتهم التي كانت خافية على عامة الناس. أولئك الذين لم يروا منهم غير المظاهر، فظنّوا أنهم تقاة ورعون يدعون إلى الهداية، فإذا بهم يستبدلون الموعظة بالرشاش. والتقوى بالجحود والنكران، ويضعون المؤامرات في مقدمة برامجهم، ومخططاتهم وأطماعهم الشخصية فوق مصالح أوطانهم.
درس تركيا الذي نشهده اليوم، ستتبعه دروس أخرى، فهذه أمة تدعو إلى الخير لا الشر، متسامحة. لا تقبل التمييز والإقصاء، محِبة غير كارهة للآخرين، وهذا ما لم تستوعبه هذه الجماعة الخارجة عن الملّة.