العالم كله يحتفل بـ عيد الأم والشوارع مليئة بأغاني الأم التي كلما سماعناها نتذكر تلك المرأة التي تعطي كل شيء لأولادها، بداية من مولدهم وهي تعطيهم من جسدها وأنفاسها. تلك الأغاني تجعلنا نهرول إلى البيت لنقبل يد تلك السيدة التي وجودها يساوي العالم بأكمله. ولكنها تذكر من رحلت أمه عن الدنيا بآلام فقدان أسمى وأثمن شيء في الوجود.
أقول هذا لأني واحدة من هؤلاء، ولكني لا أتذكر والدتي في عيد الأم فقط وإنما أتذكرها في كل صباح وكل ليلة أغمض عيني بدون أن أراها، وفي هذا اليوم تحديدا أتذكر أكثر شيء مبهج كان يملئ علينا حياتنا، هي ابتسامة أمي ذات الوجه الملائكي البشوش وذو الملامح الجميلة وكيف كانت لا تفارق وجهها مهما مرت عليها ظروف صعبة، فكنا لا نعرف قديما معني الحزن أو الضيق، لأن أمي كانت تقابل أي مشكلة بابتسامة وفي الفرح كانت ابتسامتها تبدو أكثر إشراقا وتضفي على عيونها لمعان براق.
فهي الابتسامة الغائبة منذ حوالي ثمان سنوات التي كانت أقوى من معظم الضحكات والأصوات وكل ضجيج العالم كله، التي فيها كان يكمن الأمل والصبر والفرح والحب، من خلالها كنا نستمد كل أركان الحياة.
تلك الابتسامة التي كانت تشرق لنا الصباح قديما عندما كنا أطفال صغار طوال فترة الدراسة، ثم أصبحت هي الأمل الداعم لنا في الحياة، فعندما خرجت للعمل كانت هي الضوء الذي ينير لي الطرق المظلمة، التي كنت لا أري فيها سوي ظلام كاحل ومستقبل غير معروفة، لكنها هي التي كانت تلقي عليا بأبتسامتها وكلامتها العذبة بذور أمل غير مرئية لأي شخص سوي لها هي.
كانت الفنار والمنارة التي كنا نحتذي بيه، وكنا لن ندرك هم أي شيء مهما بدا صعب. ثم أن انقطعت ذلك في يوم كان الأصعب عندما رحلت عنا بالجسد. وتركت لنا تلك الابتسامة في اذهاننا وداخلنا، ظلينا نبحث عنها في كل شيء لم نجد مثلها.
ثم تفاجأنا أنها لم تتركنا بل تأتي في كل أوقاتنا عبر أحلامنا ولتشاركنا فيها. تلك السيدة التي لم ينقطع عطائها بعد رحيلها. فهمسات كلماتها داخلنا وفي آذننا لن تنقطع. وظللنا نحن جميعا أنا وأخواتي نسعي لعمل كل شيء يفرح قلبها. حتي نراها للحظات في أحلامنا ونرى تلك الابتسامة لتكون دائما هي هدايانا لها عبر التواصل الروحي. الذي سوف يجمعنا حتى النهاية.