قبل الإنترنت، وقبل تطبيقات التواصل الاجتماعي، كنّا نعيش حياة طبيعية، أي قبل أن نتحوّل إلى بشر افتراضيين تتلاعب بنا برامج ومواقع ومجموعات من الفضوليين يُسمّون بالمؤثرين، وقبل أن ينوب عنّا جهاز يتصل بأجهزة أخرى ونحن نتفرّج ونقرّ بما يقولون ويحكمون، ومع بدايات الذكاء الاصطناعي، الذي يبشر البعض بأنه سيكون «قاطع أرزاق» أصحاب المهن الاحترافية والإبداعية والتخصصية.
حيث ستحل الآلة وبأشكال مختلفة محل المفكّر والكاتب والمبتكر والمخترع والمصمم والمنتج والمشغّل والمراقب والصحفي والمذيع. وربما أيضاً الجندي والشرطي ورجل الإطفاء والمدرِّس. بضغطة زر تعمل الآلات وتتنقّل بيننا، وقد تلقي علينا السلام. بعضها يمشي مثلنا، والبعض الآخر يطير فوق رؤوسنا. كل له مهمة، ونحن لا ندري أين سنكون، وماذا سنفعل، ومن أين سيأتينا رزقنا، ومن سيدفع لنا، ومقابل ماذا؟
هل سنكون عالة على «الروبوتات» والآلات المسيّرة ذاتياً؟ أم أن الحكومات الذكية ستخرج بنظام جديد يحدّد العلاقة بين الإنسان والآلة التي ستحل مكانه؟
كنت جالساً في مكان مازال يعيش على الفطرة، مختلياً بنفسي، أعصر ذهني، أحاول أن أقارن بين زمان كان وزمان نعيشه، فدارت تلك الأفكار في رأسي، ولم أخرج بنتيجة، كل فكرة تصطدم بفكرة أخرى، حتى كدت أن أصاب بالاكتئاب، بل قولوا إن الاكتئاب قد تلبّسني، ولولا سرعة التحرّك لأصبت بما هو أخطر من الاكتئاب، تركت الخلوة والقلم والأوراق.
ومزّقت كل «الرسومات» التي تعكس رؤيتي في الزمان الموعودين به، وهربت نحو ناقة جميلة وودودة اعتادت أن تقترب مني إذا مررت بها، فتمدّ رقبتها حتى أمسح عليها، اسمها «طيبة» وهي كذلك فعلاً، ومعها «مبروكة» التي وُلدت وتربّت بيننا، وهي أيضاً اسم على مسمى، وتجوّلت بين «السلوقي» وخراف «النعيمي» والأغنام «النجدية»، وتمعّنت في مناظر «البلابل» وهي تغرّد قبل أن تودّعنا مع الشتاء، فاسترجعت آدميتي، وعدت إلى الحقيقة التي غابت عن كل أولئك الذين يتحدثون عن الآلة، وهي أن الإنسان هو الأصل، بكل مميزاته الحسنة وعيوبه، بذكائه وغبائه، بشراسته وإنسانيته، وبكرهه ومحبّته، هو الذي صنع الحضارات وسيبقى سيد هذا الكوكب.