في مثل هذه الأيام قبل 30 عاماً، كنّا نعيش حالة من عدم الاتزان. الأمة العربية كلها، من أقصاها إلى أقصاها ممزقة إلى فريقين. فريق مصدوم، وفريق منحاز إلى الباطل. والجرم كان بطلَه شخص واحد. شخص يستحق أن تقول عنه ابنته ما تقول، لأنها مشوشة بعد أن شهدت من المآسي ما يهد الجبال، فكيف بذاكرتها وسردها للأشياء التي مرّت عليها، أو شهادتها التي تحاول أن تلوي بها تاريخاً حديثاً أغلب من عايشوه ما يزالون أحياء.
كانت الكويت في 21 فبراير 1991 ما زالت محتلة من جيش صدام حسين، الذي أوهمنا قبلها بسنوات أنه حامي البوابة الشرقية للأمة، وصدّقناه، جميعنا صدّقناه، أفراداً وقادة دول، حتى جاءت الصدمة في الثاني من أغسطس 1990، يوم الغزو العربي لبلد عربي، فإذا بأغلب أبناء الكويت يتحوّلون إلى لاجئين، وحكامها أيضاً، بينما جحافله تعيث فساداً في ذلك البلد الآمن، المطمئن للشقيق الجار الذي جار، واستكبر، ومزّق دساتير وأعرافاً جمعت أمة عند الحد الأدنى من نبذ الخلافات والعيش في وفاق، أمة تتشارك الهموم وتجتمع عند أولويات تفرض التوافق لمواجهة من يطمعون فيها.
وفي الجهة المقابلة، في اليوم ذاته الذي يصادف تاريخ هذا اليوم، كانت بغداد مستباحة، للطائرات وصواريخ «كروز»، وكانت عواصم المؤيدين لصدام تصدح شوارعها بشعارات البعث واليسار التائه والإخوان المسلمين، حتى فلسطين المحتلة كانت تقف مع الغازي وتشمت بمن احتلت أرضهم، بينما دول الخليج والعقلاء من قادة دول عربية أخرى مستمرون في محاولاتهم مع صدام حسين، يريدون أن يعيدوا عقله إلى مكانه، وينهوا تلك الجريمة التي ارتكبها، ولم يسمع، بل أطلق صواريخ عشوائية نحو مدن خليجية، وهدد بعض أتباعه ومؤيديه بتفجير حقول النفط. أراد أن يدمّر كل شيء بعد أن وجد نفسه في مأزق عظيم.
للتاريخ وجه واحد، مكتوب عليه كلمة واحدة. هي «الحقيقة»، فمن أراد أن يزوّر ويزيّف في الحقيقة يكشف عن نفسه ومضمونها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية