كل ما يطفو على سطح الأحداث في لبنان، الكيان السياسي منذ قرن تقريبا، مؤسف للغاية. ومما يزيد طينه بللا وأسفا، أن الطافي على السطح. هو الأقل مما يمور في الباطن من رسائل حقد وتكاره معمدة بالدم المجاني. والعلة الأبشع لما في الباطن أو ما على السطح. تكمن في سلم الأولويات المصلحية. لمافيات الهبش هناك على حساب أولويات كلِّ مَنْ في لبنان.
قرن مضى على سلخ لبنان بقوة التآمر وانحراف الولاءات، عن سوريا الأم الأصيله، واستبدالها بام لقيطة بديلة هي فرنسا «الرؤوم». الأمور منذ التأسيس، ما زالت إلى حد كبير، تراوح مكانها، بلا أفق لتغييرها بشكل جذري ونهائي. فُجُلُّ اللاعبين الأساسيين هناك، اقطاعيون سياسيون طائفيون، شركاء في الفساد المتفاوت في الكم فقط، لا في النوع. لو حشرتهم في مليون قالب لا ينعدلون بل يصرون على البقاء عوج. وإبقاء لبنان مسرحا، لتصفية الحسابات الدولية، وصندوق بريد للرسائل الإقليمية الحارفة للأنظار والمؤسسة لإحداث فوضى أمنية. وفق الطلب.
ونحن بالقطع وبالضرورة، ندين كل عمليات الاغتيال الفردية والجمعية والجماعية في لبنان وفي كل مكان، نرى أن النقاش والجدل حول تفاصيل تصفية أشهر محرض على حزب الله ومحور المقاومة ربيب الإدارة الترامبية الأمريكية في لبنان، ومدلل السفارة الألمانية في بيروت، والمقيم في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، الضحية لقمان سليم، وتبعات ذاك الجدل، ومضامين الرسائل السياسية لخريطة الاتهامات العشوائية التي تم توزيعها، حملت رسائل لأكثر من عنوان داخلي وخارجي ،تشبه تلك الرسائل التي تمت في أعقاب اغتيال انطون سعاده، كامل مروه، معروف سعد، رشيد كرامي، كمال جنبلاط، طوني فرنجية وداني شمعون، وحسين مروه، واجتياح أحياء النبعة والكرنينا والمسلخ وباص عين الرمانه، تمهيدا لقتل مخيم تل الزعتر ومخيم صبرا، ومن قبلهما اسقاط دير القمر والدامور.
تم تصميم فن القتل في كل هذه الاغتيالات وما فيها من تكاذب، وتبرير وتوظيف، لتبدو صادقة، صدقا يوازي ما تلاها من صدق مواز في جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي
على الرغم من الوضع المأساوي الكارثي الذي يعيش فيه لبنان. وصرخات الوجع واليأس، فإن منظومة أكلة الجبنة وتحالفاتهم الشيطانية. يتلهون بتراشق كرات الثلج السياسي، فلم تفلح كل الوساطات المخلصة والمغرضة والمشبوهة. بتغيير ثوابت ومرجعيات وأولويات أي من اللاعبين، في العلن أو في السر.
لا يبدو في افق الاهتمامات المتزايدة دوليا وإقليميا وعربيا، أن هناك من هو في وارد تقديم حل نوعي، ينقذ لبنان ومصالحه، على حساب مصالحه الاستراتيجية في الإقليم، أو على حسابات بيادقه الفئوية الضيقة. وهي في جلها بيادق مدعومة من العدو الصهيوامريكي وتوابعه في العالم وفي الإقليم، وتلك مجاميع قوى معاصرة، ذات قدرة مادية على الأرض مدعومة بنفوذ مصالح هذه القوة الإقليمية المهيمنة أو بسلطة شياطينها، وجمهور يتلهى بمراقبة موازين القوى وأثقالها الرجراجة على الأرض أو في قادم الأيام.
سيبقى لبنان بهذه الدوامة، إلى أن يتحلل أو يتفكك، مالم يتجسد تفكير معمق موضوعي في جذر ما يجري، تفكير عابر للاقطاع السياسي المتلفع بالاقطاع الطائفي والمذهبي. والعمل الفعلي بوتيرة متسارعة، لخلق صدمة سياسية، تحدث خللا عميقا في التوازنات، وتعيد خلط الأوراق الأساسية من جديد، قبل أن يتفكك البلد ويغرق بكل من فيه وما فيه.
أختم بالقول: حذار حذار، إذا استفاق نيام الجياع من الناس.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية