قبل ماية عام ونيّف، وفي مثل هذا التوقيت 15 يناير 1918، وفيما الحرب العالميّة الأولى لا تزال تحصد ملايين الأرواح وتدّمر الحجر والبشر، ولد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان في شارع قنوات بحي باكوس في الإسكندرية، من والدين صعيديّين ينتميان لأسرة عربيّة قحطانيّة، عاشت في قرية بني مر في أسيوط.
الولادة لم تكن حدثًا يهتّم به غير الوالدين الشابّين، فوالده ليس باشا. ووالدته ليست من ورثة ملّاكي الأراضي، غير أن هذه الولادة كانت سببًا في تغيير مصر. والأمّة العربيّة، والعالم بعد عقود ثلاثة.
نشأة جمال عبد الناصر غلب عليها سمة اللا إستقرار. فكان ينتقل من مدرسة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى. بحسب ظروف عمل والده في بريد باكوس، وهو فقد والدته باكرًا دون أن يلقي عليها نظرة الوداع.
تنقل في مراحل الدراسة ما قبل الجامعة بأكثر من عشر مدارس. وعاش في كنف عمّه، شقيق والده أعواما.
أي أنه وفق قراءة سوسيولوجيّة معاصرة، ما كان يَتوقّع منه أحدا. أكثر من أن يكون إنسانًا عاديًا، يمضي حياته بين عمله وبيته. غير أن طموحه في الحريّة، ورفض الظلم والظالمين، دفعه لأن يكون قارئا نهمًا، وأن يكون مناضلًا عنيدًا منذ نعومة أظفاره. ألم يشترك في تظاهرة في منشيّة الإسكندريّة وهو ابن اثنا عشر عاما، وكانت تندّد بالاستعمار الإنجليزي لمصر؟. ألم يكن عدد أيام حضوره في السنة الثانويّة الأخيرة في المدرسة هو فقط 45 يومًا. فيما كانت اهتماماته منصبّة أكثر على مواجهة الاستعمار البريطاني لمصر وأتباعه، ومعارضته بشدّة للمعاهدة المصريّة البريطانية لسنة 1936؟.
لقد حفرت جملة كتبها توفيق الحكيم في كتابه عودة الروح، قبل أن يشطّ بعيدًا، عميقًا في عقل ووجدان جمال عبد الناصر. لقد كانت الجملة تقول إن المصريّين هم بحاجة فقط إلى:« الإنسان الذي سيمثّل جميع مشاعرهم ورغباتهم والذي سيكون بالنسبة لهم رمزًا لهدفهم». ألم يكن ذلك هو عبد الناصر بعد ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952؟.
في ذكرى ولادة القائد الخالد جمال عبد الناصر، يتجدّد الأمل بشباب هذه الأمّة من محيطها إلى خليجها، فقد يكون بينهم من هو مثل عبد الناصر أو على خطاه، وفي الحالتين فلا يأس مع الأمل، ولا إحباط مع الرجاء والثقة بأن هذه الأمّة ولّادة للأبطال. إن نماذج البطولة أكثر من أن تُحصى، وهي تتوالد كل يوم في فلسطين وفي غير مكان من الأرض العربيّة، ويومًا ما ستكون هذه الأمّة في الموقع الذي يليق بحضارتها ودورها التاريخي، ولا أعتقد أن ذلك اليوم ببعيد إزاء ما يشهده العالم من متغيرات وأحداث وتطورات.
رحم الله جمال عبد الناصر، وجعل سيرته نبراسًا لكل شاب عربي يتطلع إلى الحريّة والتقدّم والريادة.
أمين سر لجنة إحياء مئويّة جمال عبد الناصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية