اخترنا لكنون لايت

نوال عايد فاعوري تكتب: «ثرثرات في الحب» وجبة دسمة من الجمال

يعود الدكتور سمير أيوب مجددا ليأسرني بحروفه، بأحساسه وسرده، يعود هذه المرة ليحدث دويا في داخلي ضجيجا من المشاعر.

يكتب بهذا العمق وهذا الإحساس ونعيش معه كل هذه المشاعر ليصعب علينا النسيان.

نواصل المسير في عالمه وهذه المرة مع مجموعة جديدة من القصص الأكثر إمتاعا .

40 قصه يبدع بها الكاتب الكبير بنفس النهج الذي يعتمد على اختصار الكلام واطلاق الحكايه في أفاقها الواسعة .

هنا ستجد لوحات من حياتك وحياة الآخرين بكل تفاصيلها، وقد تبتسم وتقول هذه الحكايه تمثلني، وهذه حكايه جاري، وهذا فلان دون شك !!

هنا يبدأ الإبداع برسم ملامحه. عندما يمسك د.سمير القلم .

«ثرثرات في الحب» عنوان مجموعة نصوص جديدة للكاتب وأنا أعتبره شاعرا وقاصا وروائيا. رغم أنه لا يصف ولا يصنف ما يكتبه، هو يكتب فقط، يكتب دون أن يعكر ويفسد الدهشة بلغة التأويل. ولا تهمه الاعتبارات التي ينظر إليها الكتّاب حين يمسكون القلم.

عندما تقرأ نصه، تجده رسالة، أو مقطعا من رواية، تقرأه مرة أخرى. فتحسّه قصيدة أو قصة قصيرة.

وهو في الكتابة ليس له خط سير، يتكلم بصدق وجرأه عن الكثير من القضايا التي تتوارى في الصمت ويطرح وجهة نظره ونظر غيره من الرجال والنساء.

يحس بتعب المفردات ويدعونا أن ننسى تماسكنا وننساب في متعه الانكسار العظيم عندما يقول: ماذا أفعلُ بهذا الكَمِّ الهائلِ مِنَ الألمِ يا ظالمة؟ حضورُكِ الغائبُ يَعتصرُني، ويُلبِسنُي وجَعاً، مُمْتداً بينَ كلِّ غَفوةٍ وقَطرةِ حِبْر .

مر زمن طويل لم يشدني كتاب حتى عثرت على الدهشة هنا خلطة آسرة من المشاعر المربكة خوف..إعجاب..دهشة..وجع.. وارتجاف يصيب قلبك وعقلك.

أدب يضعك على خيط رفيع بين الواقعي والخيال، بين تفاصيل الواقع وجزئياته الحياتية والغوص عميقا في التخييل لدرجة تجعل عقلك مأخوذا في دهشة لا تنقطع. دهشة تجعلك تتدخل في الحدث السردي وتعيد تشكيله وتأويله. وتفتح خيالك على اتساعه صارخا بلا وعي« يااااه.. كيف قال ما عجزنا عن قوله.. كيف رأى ما لا نراه؟!»

في المجمل لا يمكن اختزال الحياة في عبارة و لا كتاب في كلمة لكن الدكتور سمير أيوب لص محترف يسرق منك وقتك فتغرق في تفاصيل قصصه و رؤاة.

ليس من السهل أن تدخل عوالمه القصصية، الطريق المزينة بجمال لافت وعبقرية سردية طريق وعرة، ستشدك من قلبك وتتركك هناك تقرأ وتعيد، تقرأ وتشهق، تقرأ وتضحك، تقرأ وتبكي، تقرأ وتعيد.

ستجد نفسك مأسوراً، وراضياً جداً..

«ثرثرات في الحب» عمل لا يمكنك أن تتركه حتى تنهيه، ولا يمكن أن تنهيه إلا لتعود إليه مجدداً فأفضل الكتب تلك التي تجبرك على العودة إليها كالقُبلة الأولى في ثنيّات الذّاكرة!  تلك الكتب التي تخرج منها بعبارة عميقة وباقتباس جميل .

لم آسف في حياتي على انتهائي من كتاب، بقدر ما أسفتُ على مفارقة «ثرثرات في الحب».

كلما انتهت حياة شخصية شعرت بأن الكاتب يكسر لي ضلعًا. لا أذكر كم مرة ضحكت، ولا كم مرة بكيت، ولا كم مرة شهقت، لأن هذا المعلّم العملاق يبرع في إخفاء أدواتة .

أكثر السحرة إدهاشًا لا يستخرجون الأرانب من القبعات، بل يستخرجون القبعة من أذن الأرنب، وكاتبنا من الصنف الثاني، النادر، العبقري دونما مبالغة وبتطرف تام من قبلي.

إذا كانت الكتابة هي الطريقة، فإن هذا الكاتب هو شيخ الطريقة حتمًا.

الدكتور سمير أيوب عرفته جيدا و منذ فترة طويله جدا. هو ذاك الذي يضعك في مكان تضيق فيه المساحات و يجبرك على أن تبحث عن طرق آخرى لتعرف نفسك أكثر فأكثر.

هو نفسه الذي يجعلك تتفجر انهارا ، ينابيع من كل المشاعر يجعلك تصبح طفلا صغيرا يبحث عن اله على مقاسه علّه يتفهمه.

ثم يجعلك مراهقا يبحث عن ملامح حبيبة قادمة في خيوط دخان.. في رائحة الجِنان..و يقع صريع قبلة هاربة، يجعلك تستبق عمرك الفاني لتشيخ قبل الوقت بأيام ثم تسعد برؤية تجاعيد الكلمات في مقلتيك.. تتساقط شلالا.

يجعلك تصدق بأن الشخصيات والأماكن والحوادث التي يكتب عنها هي حوادث حقيقية حدثت بالفعل، أو قابلة للحدوث. ومن خلال رسمه الدقيق لهذه الشخصيات يجعلك تراها بعينك حقيقة واقعة. حتى أنك ترفض مجرد فكرة التشكيك بها.

كاتب ذو خيال يمتلك قدرة من نوع ما على تطويع الكلمات في وصف أشياء أنت تصادفها كل يوم وتشعر بها وتتفاعل معها. لكنك لا تتمكن من وصفها. لذلك فأنت تحب هذا الكاتب دون سواه لقدرته على وصف شعورك. وليس لأنه جاء بشيء جديد لم تكن أنت تعلمه.

كاتب يتفوق على نفسه ولا يكرر ذاته وجمله، وعندما يكتب كأنما يعيش حياة أخرى، ليست حياته، ومع الانتهاء من الكتابة، يموت، ويمضي بعينين وأصابع جديدة، نسميها نحن المُخيّلة.

ربما من الغريب بالنسبة لي كقارئة متأنية  أن أقرأ كتابا كاملاً في جلسة واحدة، فأنا أرى في النص الأدبي القصير حلوى أختم بها وجبة دسمة من قراءات متعددة..

ما حصل مع هذا العمل كان مختلفاً..

فمن الإهداء حتى آخر صفحة بيضاء كنت في حالة امتلاء ودهشة..

تتداولني مشاعر الحب، والخوف، والشغف، والشوق، والرعب والمتعة.

كل كلمة كانت تمتلك لحنها الخاص، كل نص كان رواية .

عمل مهم ومختلف في الشكل.. والمعنى.. والمبنى.. والتقسيم.. والعناوين.. حوارات مدهشة ومتداخلة ومترابطة، في تركيب روائي ساحر، بشكله المغاير، وأساليبه المتعددة .

لن أتحدث كثيرًا عن الكتاب وكذلك لن أكتب عنه ما أريده حقًا

انتظروه واقرأوه ففيه الكثير الكثير، مما لم يكتبه غيره .

هذا ما تخبئه ثرثرات د.سمير أيوب ثرثرات رشيقه وشخصيات جريئه حره مرسومه بدقه وعنايه ناقلًا إلينا الدهشة. بخفة ساحر، وارتباك شاعر، وعين ضائعة، تبحث عن رؤاها، فيما لا يُرى.

مبارك صديقي.. تستحق ألف شكر على هذه الوجبة الدسمة من الجمال..

لن أقرأ أي شيء آخر اليوم..غير أنني سأحلي بهذه النصوص قراءاتي لأيام كثيرة قادمة.

 

 t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

Back to top button