بعد مرور خمسة عشر عامًا على انتفاضة المسجد الأقصى، أصبح رُضع وأطفال سنة الانتفاضة، أبطالًا مستعدون لانتفاضة جديدة، يشعل الاحتلال شرارتها بأفعاله الإجرامية واستفزازه مشاهر الفلسطينين بومًا وراء يوم.
فعندما اندلعت شرارة “انتفاضة الأقصى” قبل 15 عاماً، كان “محمد” يبلغ من العمر عاماً واحداً فقط، واليوم بات هذا الفتى متحمساً لأن يعيش الحالة نفسها، فبدأ يكرر عملية الرشق في كل مرة تتجدد فيها المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، متحمساً لما أسماها بـ”انتفاضة الأقصى الجديدة”.
عند مدخل مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، يلف الفتى محمد، وجهه بلثام، ويحمل في يديه قطع من الحجارة، ويبدأ برشقها تجاه الجنود الإسرائيليين المتمركزين على مقربة من المكان.
وتشهد مدن متفرقة بالضفة الغربية، إلى جانب القدس، وقطاع غزة، هذه الأيام، مواجهات عنيفة بين شبان فلسطينيين وقوات إسرائيلية، اندلعت شرارتها عقب إصرار مستوطنين على مواصلة اقتحام باحات المسجد الأقصى، الشهر الماضي.
وفي 28 سبتمبر عام 2000، اندلعت شرارة انتفاضة الأقصى “الانتفاضة الفلسطينية الثانية”، عقب اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، أرئيل شارون، ساحات المسجد الأقصى برفقة قوات كبيرة من جيشه، لتشهد مدينة القدس، مواجهات عنيفة، أسفرت عن إصابة ومقتل العشرات، سرعان ما امتدت إلى كافة المدن في الضفة، وقطاع غزة.
واليوم، يقول “محمد إنه” لم يعد طفلاً، هو وأقرانه من الفتية، وأضاف مفضلاً عدم ذكر اسمه بالكامل، تحسباً من الملاحقة الأمنية: “إحنا (نحن) كبار، وحنضل (سنبقى) ندافع عن المسجد الأقصى”.
ويتصدر عشرات الفتية الذين ولدوا خلال انتفاضة الأقصى، المواجهات الحالية مع الإسرائيليين، ويغطي معظمهم وجوههم بقطع قماش صغيرة، خوفاً من كشف هويتهم واعتقالهم.
أما “سجود” فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، كانت هي الأخرى، رضيعة عندما اندلعت انتفاضة الأقصى، تقول وهي تستعد للمشاركة في المواجهات الدائرة منذ عدة أيام على حاجز “بيت إيل” العسكري، شمال رام الله”: أنا هان (هنا)، لكي أرشق الجيش الإسرائيلي بالحجارة، بدنا (نريد أن) نقاوم”.
وتضيف سجود التي اكتفت باسمها الأول، لنفس الداعي السابق:” أنا لا أخشى الرصاص الحي، ولا قنابل الغاز، أول أمس أصبت برصاص مطاطي في القدم، ومع ذلك عدت كي أشارك في المواجهات”.
وعلى مقربة منها، شاب يرتدي قناعاً على وجهه، قال إن اسمه محمد، ويبلغ من العمر 16عاماً: ” لا يمكن أن نبقى صامتين إزاء تهويد المسجد الأقصى، واستمرار عمليات الهدم والقتل، والاستيطان”.
ويتابع وهو يستعد لرشق حجر جديد:” نحن هنا لنقول لإسرائيل أنّ جيلاً يعشق أرضه، أمامها ولن يتوقف، ونحن مستعدون للتضحية بأنفسنا من أجل القدس والأقصى”.
يقاطعه فتى آخر لم يتجاوز عمره 15 عاماً، وهو يمسك بيده قطعًا من الحجارة، قائلاً: “باقون هنا، هذه الحجارة لن تفارق أيدينا، ولن تخيفنا بنادق الجيش الإسرائيلي، ولا اعتقالاتهم لنا”.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، اعتقل الجيش الاسرائيلي منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وحتى أمس الإثنين، نحو 700 فلسطيني، في الضفة الغربية والقدس، غالبيتهم من الفتية والشبان.
وقُتل وأصيب عشرات الفلسطينيين أغلبهم فتية قاصرون، خلال تنفيذهم هجمات بالسكاكين ضد إسرائيليين، أسفرت أحيانًا عن مقتل بعضهم، البعض الآخر تم اعتقاله.
وفي قطاع غزة، تصدر شبان وفتية، التظاهرات التي خرجت قرب السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، خلال الأيام القليلة الماضية.
ويقول طلال عوكل الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة من الضفة الغربية، إن جيلًا من الشباب الصغير هو من يتصدر المواجهات الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويضيف عوكل في حديث مع الأناضول: “ما يميز هذا الجيل أنه ولد في انتفاضة الأقصى، أو عاش سنواتها الأخيرة”.
ويرى الكانب نفسه أن ما يميز هذا الجيل أيضاً، “هو أنه غير مؤطر ولا ينتمي لأية تنظيمات سياسية، وهو الأمر الذي قد يطيل الهبة الجماهيرية ويحولها لانتفاضة”.
واستطرد في هذا السياق:” هذا الجيل لا يخاف، ويحمل الحجارة والسكين ، يربك إسرائيل كثيراً، وهو متحمس للدفاع عن أرضه ومقدساته، لم يعايش انتفاضة بكامل تفاصيلها، لكن اليوم يتصدر المشهد”.
وتوقفت انتفاضة الأقصى في الثامن من فبراير عام 2005 بعد اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة “شرم الشيخ”، إلا أن هناك ثمة من يرى من المراقبين أن الانتفاضة الثانية لم تنتهِ لعدم توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي حل سياسي، واستمرار المواجهات في مدن الضفة.
ويقول درداح الشاعر، أستاذ علم النفس، في جامعة الأقصى في مدينة غزة، إن ما يميز هذا الجيل، هو أنه “متحمس”، ويشعر أنه قادر على المواجهة.
وفي حديث مع “الأناضول”، أضاف الشاعر: “معظم من يقوم بإلقاء الحجارة، وطعن الإسرائيليين فتية صغار وشبان، لا يمكن منعهم أو السيطرة على حماسهم، هؤلاء ولدوا في انتفاضة الأقصى الثانية، ومنهم من عاش سنواتها، اليوم يتصدرون المشهد بعيدا عن التأطير الحزبي، والتوجيهات السياسية”.
و”يشن هؤلاء هجمات فردية، قد تطيل الهبة الجماهيرية” كما يقول الشاعر، مستطرداً:” لا أحد يستطيع التنبؤ بحماس الشبان، وإلى أين يمكن أن تقودهم مشاعرهم”.
وفي محاولتها إخماد الاحتجاجات الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية، تنظر الحكومة الإسرائيلية إلى الأطفال والفتية على أنهم هدف مركزي.
ويجد الآلاف من عناصر الشرطة الإسرائيلية المنتشرين في أحياء القدس، أنفسهم، في مواجهة المئات من الأطفال والفتية الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً.
ويقول ناصر قوس، مدير نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي) في مدينة القدس، للأناضول إن “الشرطة الإسرائيلية اعتقلت ما يزيد عن 310 فلسطينيين في أحياء مدينة القدس منذ 13 من الشهر الماضي، الغالبية العظمى منهم تتراوح أعمارهم ما بين 12-20 عاماً.
وقد حددت حكومة بنيامين نتنياهو، منذ انطلاق الأحداث، الأطفال والفتية الفلسطينيين هدفاً لإجراءاتها العقابية مع الإشارة بشكل خاص إلى القاصرين.
ففي 24 سبتمبر الماضي، قرر المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “اتخاذ خطوات لمعاقبة القاصرين الذين يرشقون الحجارة ويلقون الزجاجات الحارقة والمفرقعات، ووالديهم، واعتقال القاصرين الضالعين في هذه الاعتداءات والذين تتراوح أعمارهم بين 14 و-18 عاماً، وفرض غرامات مالية عليهم وعلى والديهم، و إلغاء تحويل أموال التأمين الوطني التي تستحقها عائلات القاصرين المعتقلين”.