لطالما كانت الوحدة الوطنية دليلا علي قوة المجتمع المصري ومتانة عنصره في مواجهة الشدائد والمحن. ولطالما كانت هذه الوحدة رمزا للتسامح والإخاء والمحبة بين سائر أبناء الوطن. ولطالما كانت الوحدة الوطنية هي الصخرة التي تكسر مخططات الأعادي. ولطالما كانت الوحدة الوطنية هي السياج المنيع الذي يقطع ألسنة المتخرصين ويكسر أقلام المحرضين علي مصر وأمنها.
من خلال ما سبق نستشرف قيمة الوحدة الوطنية وأنها عهد وميثاق تنبع منه المحبة ويشرق منه الإخاء وكيف لا ومصر منذ عهدها الأول عنصر بشري واحد لم تطرأ عليه المتغيرات ولم يتأثر مكونه البشري بأي هجرة غيرت من طبيعته الإنسانية أو حدوده الجغرافية. فعنصري الأمة مسلمين ومسيحيين هم من نبتة مصر ومن خلاصة أرضها. وهم نتاج واضح لطيبة أهلها وسماحة أبنائها.
وتمتاز هذه الوحدة بالتجذر والأصالة خاصة عند الشدائد والملمات ففي بدء ثورة يوليو المجيدة كان التلاحم بين قطبي الأمة في أوج تألقه وازدهاره، وفي حرب أكتوبر المجيدة امتزجت الدماء الطاهرة لأبناء الوطن الواحد دفاعا عن الأرض والعرض وصولا إلى محاربة التطرف والإرهاب الذي لم يفرق أوغاده بين هدم لمسجد أو حرق لكنيسة. وما انقطعت أصوات الأذان ولا سكتت أجراس الكنائس. وإذا كان قلب مصر هو من يسع الجميع فلا عبرة بالأماكن فمصر (وطن يعيش فينا).
وانطلاقا من هذا العهد (عهد المحبة) وهذا الميثاق( ميثاق الأخوة) اهتمت الدولة بكافة مؤسساتها بالوحدة الوطنية وتقوية أواصرها بالوعي تارة وبالحزم تارة أخري. فلا مساس بهذه الوحدة لأنها الركن الأهم في أمن مصر واستقرارها. كمان أن المؤسسة الدينية في كلا الجانبين( الأزهر والكنيسة) علي أعلي درجات الوعي والثبات في كافة المواقف التي استدعت الوعي وتغليب المصلحة العليا للوطن. كما أن طبقات الشعب المتجانس والمتألف بطبعه ونبله قد أدركت أن الدين لله والوطن هو بيت العائلة المصرية الواحدة .
وإذا كانت الوحدة الوطنية تسري في دماء المصريين فعلينا أن نتذكرها في كل وقت وحين. وليس في بداية كل عام فقط.
نتذكرها من خلال تعاليم الدين المسيحي الذي يدعو إلى المحبة. نتذكرها في تعاليم الدين الإسلامي الذي يدعو الي الرحمة وحسن الجوار.
نتذكرها مع دماء شهداء مصر الأبرار الذين يدافعون عنها في كل حين، نتذكرها في عيون أطفال ينتظرهم غد مشرق ينعمون فيه بالأمن والاستقرار ، نتذكرها في عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة التي تقوم علي الشهامة والمروءة والنجدة وحب الأخرين، نتذكرها في شم النسيم وأعياده وفي إفطار شهر رمضان، نتذكرها حين نفتخر بمجدي يعقوب وأحمد زويل، نتذكرها وندعو الإله العلي القدير أن يحفظ أرضنا ومصرنا من كل مكروه وسوء وأن يديم علينا نعمة المحبة والإخاء والأمن والأمان ودائما وأبدا تحيا مصر برغم أنف الحاقدين.
العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة نور مبارك بكازاخستان
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية