تظل العلاقات بيننا وبين دول أوروبا والغرب بشكل عام رهن اختلاف الثقافات والقيم التي تحكم كل مجتمع. ففي حين تتمسك المجتمعات الشرقية في دساتيرها وقوانينها وأعرافها بالقيم الروحية والرسالات السماوية باعتبارها جزءا أصيلا من ثقافتها وحياتها الاجتماعية.. ترفض دول أوروبا هذه المبادئ والقيم بعد أن طغت العلمانية على كل ما دونها. وباتت تشكل العلمانية مبادئ وقيم الغرب في قوانينها وثقافتها وحياتها الاجتماعية.
ورأينا إقرار قوانين زواج المثليين وغيرها من القوانين التي تتعارض مع الرسالات السماوية التي يعتنقها الغرب ذاته.. وهذا هو لب الخلاف الحقيقي في كثير من القضايا ومنها قضايا حقوق الإنسان، وهذا أمر يحتاج إلى تقديم فهم متبادل لخصوصية كل ثقافة ـ إذا خلصت النوايا ـ بحيث تكون هناك مشتركات إنسانية بين شتى الثقافات والقيم الانسانية والتوافق حولها مثل رفض العنصرية والتحريض والتطرف والإساءة للأديان واحترام خصوصية وثقافة الآخر.
من هذا المنطلق جاءت حالة الاستهجان والرفض المصري لمناقشات وتوصيات البرلمان الأوروبي عن حالة حقوق الإنسان في مصر، والتي اعتبرها المصريون إما تدخلا في الشأن المصري، أو محاولة فرض وصاية على مصر. ورآها كثيرون عدم احترام للقيم التي تحكم المجتمع المصري. خاصة في ظل صعود خطاب اليمين المتطرف في أوروبا، وتبنيه لخطابات الكراهية والتحريض.
وفي اعتقادي أن حالة الرفض والاستهجان من شرائح مصرية كبيرة نتيجة الشعور بعدم احترام البرلمان الأوروبي للثقافة والقيم التي تحكم المجتمع المصري، وعدم احترام المعتقدات الدينية الراسخة في ضمائر هذا الشعب سواء كانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية، وتشكل جزءًا من ثقافته وقوانينه. وعلى سبيل المثال عقوبة الإعدام التي تقرها معظم دول الشرق ومنها مصر وكانت من بين توصيات البرلمان الأوروبي بإلغائها. وبعيدًا عن أنها عقوبة شرعية.. إلا أن الثقافة المجتمعية لا تقبل إلا بإعدام القاتل. وهناك عرقيات لا تنتظر إنفاذ القانون في مثل هذه القضايا.
إذن القضية الحقيقية هي اختلاف الثقافات والقيم التي تحكم كل مجتمع ولا خلاف على أن مصر تحترم حقوق الإنسان، وبها عشرات الآلاف من منظمات المجتمع المدني تعمل بحرية تامة. وقبل هذه المنظمات هناك أحزاب سياسية منها المعارض وعلى رأسها الوفد الذي يتبنى طوال تاريخه الطويل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وتبنى عشرات القوانين في هذا الشأن. وكانت هناك معارك كثيرة للوفد بخصوص قضايا الحريات. كما كانت جريدة الوفد لسان المواطن البسيط.
ولكن للأسف جاءت مناقشات وتوصيات البرلمان الأوروبي بعيدة عن الموضوعية بسببين هامين الأول.. أن المناقشات لم تراع وتحترم قيم وثقافة هذا المجتمع، ولذلك بدا الأمر وكأن البرلمان الأوروبي يريد فرض ثقافته وقيمه العلمانية وقوانينه على مجتمعنا التي يرفضها وتتعارض مع قيمه الروحية. ولكننا في المقابل نحترم ثقافته ولا نتدخل فيها.
الأمر الثاني أن هذا البرلمان الذي يرفض إعدام قاتل وحبس مخرب أو مجرم لم ينتفض عندما ساد الإرهاب في مصر. وتملك الذعر معظم الأسر المصرية واستشهد آلاف المصريين على يد أعضاء الجماعة الإرهابية وانهكت مؤسسات وأجهزة الدولة، وانهار الاقتصاد وشرد عشرات ومئات الآلاف من العمالة.. أليس لهؤلاء أيضًا حقوق؟! ولماذا لم ينتفض هذا البرلمان لكل ما يحدث بجوارنا على الأراضى الليبية ولماذا لا يشعر أعضاؤه بالغضب أو الذنب على الأرواح التي تزهق يوميًا هناك. وخضوع الشعب الليبي تحت رحمة الإرهاب والميليشيات بسبب عدم توافق حكومات الدول الأوروبية على الحل في ليبيا؟!
حمى الله مصر من كل سوء
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية