في مساعيه لتحويل ذكرى وفاة الشاعر الكبير رفعت سلام إلى مهرجان يتم الإحتفال به سنويا في مسقط رأسه بشبين القناطر، تكريمًا لذكراه، وشحذا لهمم المواهب الأدبية والبراعم الشعرية في القليوبية وعموم مصر كلها، عقد «ملتقى الشربيني الثقافي» ندوته النصف شهرية المقررة في مدينة شبين القناطر، على مقربة من قريته «منية شبين القناطر» التي ووري جثمانه الثرى فيها،علي إثر رحيله في السادس من ديسمبر الجاري، بعد صراع مرير مع المرض .
وأعلن مؤسس الملتقى الكاتب الصحفي محمود الشربيني خلال كلمته الافتتاحية عن أن هذا هو الهدف الأساسي من انعقاد هذا الملتقى بشبين القناطر، مما يساهم في إبقاء جذوة سيرة الشاعر حية في وجدان مواطنيه وبين أهله وناسه، وأن يقتدي بمسيرته الشعرية الفذة من يمتلكون الموهبة الأدبية والذائقة الشعرية، ويحفرون في الصخر من أجل فرصة تتيح لهم التعبير عن مواهبهم والإعلان عن أنفسهم وحملهم راية استمرار المسيرة الشعرية في المستقبل.
وفي هذا الإطار أبدى مؤسس «ملتقى الشربيني الثقافي» الكاتب الصحفي محمود الشربيني، ترحيبه بمقترح الشاعر الدكتور علي منصور بإنشاء جائزة سنوية للشعر باسم رفعت سلام. وأعلن مساهمته في القيمة المالية للجائزة بمبلغ خمسة آلاف جنيه. واقترح علي الحضور تكوين هيئة خاصة لتأسيس الجائزة وإنشائها علي نحو مؤسسي راسخ .
بورترية فني.. وآخر إنساني
وكانت أعمال الملتقى قد إنطلقت بحضور ممثل لأسرة الشاعر رفعت سلام وهو شقيقه أحمد. وكان الكاتب الصحفي محمود الشربيني تواصل مع أسرته وزوجته الأولي السيدة راويه صادق وابنتيها يارا ودينا، ومع زوجته الثانية -وهي صحفية من الجزائر الشقيقة- ونجلها الوحيد الصغير فراس. وعبر السيدة راوية صادق التي وعدت بنقل رغبة الملتقي في حضور أسرته ومشاركتهم جميعا في أعمال الملتقى ودراسة إمكانية الحضور إلا أنه ولظروف الأسرة وانشغالها بترتيبات مابعد رحيل «سلام» تعذر مشاركتهم وحضورهم، واستقروا على أن يمثلهم شقيقة أحمد سلام ويتحدث بالإنابه عنهم. ووسط أجواء مفعمة بالتقدير لسلام وأسرته أهدي الملتقى شهادة تقدير بإسمه بهذه المناسبة تسلمها شقيقه أحمد سلام .
وخلال الجلسة التي ساهم في الإعداد لها الشاعر الكبير مسعود شومان، كما عرض فيلماً تسجيلياً مدته خمس دقائق تقريبا عن مسيرة الشاعر رفعت سلام من إعداد شقيقه متعدد المواهب (المطرب والجرافيكي والشاعر أيضا) محمد شومان.. وقد أثر العرض في نفوس الحضور أيما تأثير خصوصاً قصيدة مسعود شومان في وداع رفعت .
أستهلت أعمال الملتقي بالسلام الوطني المصري، ودعا الزميل الشربيني الحضور لقراءة الفاتحة علي روح الشاعر الراحل. كما نوه عن تكليف الملتقي للرسام الفنان مصطفي غريب وهو من قرية «منية شبين القناطر» -مسقط رأس سلام- لاستلهام شخصية الشاعر الراحل، وانعكاس مكنونها في بورترية شخصي له يعرض في مقر الملتقى، مع تزيين جدران قاعاته بلوحات كتبت بالخط العربي الجميل بمختلف أنواعه، منها مايحمل اسم الشاعر ومنها مايحمل أسماء دواوينه العديدة والمتنوعة، مثل وردة الفوضى الجميلة، وإشراقات رفعت سلاَّم، وإنها تُومئ لي، وهكذا قُلتُ للهاوية، و إلى النهار الماضي، وكأنَّها نهاية الأرض وحجرٌ يطفو على الماء. وديوان أرعي الشياه علي المياه.. وقد إستطاعت هذه الأفكارالمصممة بعناية جذب أنظار الحضور لكونها مبتكرة وللبراعة في تصميمها وتنفيذها .
شخصي جدًا
وفي بداية جلسة الملتقى التي أدارها الزميل الشربيني تحدث أحمد سلام عن شقيقة، فأشار إلي أنه كان مختلفا عن بقية إخوته حتي أنه فرض على أسرته قبول أسلوبه وتصرفاته، حتي مبيته خارج منزله عند أصدقائه..كما أنه عندما تزوج من زوجته الأولى لم يكن يعرف في تقاليد الزواج ومتطلباته، فهو قال لوالدته هذه هي المرأه التي سأتزوجها، ثم ذهبا معا إلى المأذون ومعهما شاهدين وهناك فوجي بأسئلة المأذون عن المقدم والمؤخر وانبأت ردوده علي المأذون بأنه لم يكن يفكر مسبقاً في هذه الأمور أو يعرفها !.
سلاّم: مرّ في حياته بمحطات صعبة لكنه حول المحن إلى منح
قال إن رفعت كان يحول محنه إلي منح، وأنه كان مدافعا صلبا عن حقوقه، فعندما سلبوه حقوقه في وكالة أنباء الشرق الأوسط التي التحق بالعمل فيها في بداية حياته العملية قرر الإعتصام أكثر من مرة، وعندما ألحقوه بالأرشيف لم يبد غضبه، وإنما ظل يعمل وعندما انتقل من الأرشيف،كان ذلك وفق شروطه هو.. ولكنهم فيما يبدو أرادوا التخلص منه كليا، فقد كلفوه بالسفر الي الجزائر لتولي مكتب الوكالة هناك، في ذروة أزمة الإرهاب المتأسلم هناك، ما يعني أنه كان ذاهبا هناك إلى حتفه. لكنه كعادته استمر وافتتح المكتب واستعان بصحفية جزائرية وظل يعمل وفي نهاية المطاف فإنه تزوج منها وعاد بها إلي القاهرة وأنجبت له «فراس» أصغر الأبناء.
د. إسماعيل: خسارتنا فيه كبيرة جدًا
وفي كلمته إعتبر الشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، أن رحيل رفعت سلام خسارة كبيرة لحركة الشعر العربي.
وأوضح أهم السمات الفنية لشعر سلام كما أبرز قيمته الإبداعية وسط جيله. فيما قال الشاعر الدكتور علي منصور أنه تعلم من رفعت سلام ومازال يتعلم.
واتفق مع أحمد سلام في أنه بالفعل يحول المحنة إلى منحه. واقترح الشاعر الدكتور على منصور إقامة جائزة مرموقة في الشعر باسم رفعت سلام، وهو ما أقره عليه مؤسس الملتقى وأعلن ترحيبه بالمقترحه وضم صوته إلى صوته في تكوين هيئة للإشراف على تأسيس الجائزة، كما أعلن عن مساهمته فيها بمبلغ خمسة آلاف جنيه.
منصور: تعلمت منه.. ولديّ سؤال لم أجرؤ على توجيهه أبدًا إليه!
وختم علي منصور حديثه بقوله: لقد ظل بداخلي سؤال لم أجرؤ على توجيهه إليه وهو: لماذا شعرك المترجم شديد التأثير عما تؤلفه من شعر؟! وقد حاوره مؤسس الملتقى حول هذا السؤال وما اذا كانت لديه هو إجابة عليه …
مسعود شومان وقصيدة الألم النبيل
تكاد قصيدة مسعود شومان التي ألفها في اعقاب رحيل رفعت سلام أن تصبح أيقونة شعرية، فقد مست أوتارا الحزن عند كل من قرأها، ومنهم زوجة رفعت الأولي السيدة راوية صادق والتي بعثت الية بشكر خاص لأنها مست وجدانها.
إلى الحبيب النبيل الشاعر الكبير رفعت سلام
عارف يارب
تقيل
تقيل قوى
الحزن صحرا وصوتى مش قادر
أعزى مين وهما بيردموا ضحكته
وهمسه وجنونه وحنان صوته
وإيديا مش قادره على شيل النعوش
الموت سبوبه للعايشين
احفر هنا وسيب حنان الوشوش
خلى الدموع تجرى والعياط ياخد مداه
سكن جروحك بين وداع ووداع
سلم وجع واصل بنور الله
أول سلامه ريحة النعناع
أخر سلامه قمر لسه بيعرف سماه
تقيل قوى يا حزن
جبل وشايله الدود
والحصى فى الصحرا بيفيض بكاه
والطير يعدى عليه يعرف جناحه
ويبتدى يفهم لغاه
قرب هنا جنبى
صوتك مونسنى وعارف إننا أحباب
إيدك وحيده بس قلبك دافى
وعينيك حنونه لسه بتراعى الطيور
وتدق ع الأبواب
تسقى الحروف م الكاسات
تدعى لك الأشجار والضل والرمله
تعملها وتسيبنا كأنك طيف
قرب جناحك ونبقى طير واحد
أنا لسه شايف الموت بيمدحك بالاسم
وانت راخى الجسم
ومخدتك كانت بتكتب وراك
سطور وحيده وقلبها فى الحزن متاخد
مع السلامه يا شاعر
عارف يارب
تقيل
تقيل قوى
الحزن صحرا وصوتى مش قادر
أبو العز: لغته الشعرية متميزة وأعماله وأفكاره لاتشبه إبداع أحد
فيما إعتبرت الأديبة والكاتبة عزة أبو العز أن القصيدة حبلي بالشجن والحزن النبيل وعبرت عن هذا المعني خلال الملتقى بعد أن شاهدت الفيلم التسجيلي الذي أعده الأخوين شومان وتضمن قصيدة مسعود وكتبت تقول :
ما أعجب أن تفر الكلمات من شاعر كبير بحجم وقيمة وقامة مسعود شومان الشاعر المعجون بنبض الوطن.. فيعجز عن الكلام في ليلة تأبين رفعت سلام ليستبدل الكلمات بآهات الوجع في مرثيته لسلام، فقد غاصت معاني كلماتها في وجع الفراق فجعلت كل مستمع يسرح في معانيها ويتوحد مع حالة الشجن والألم النبيل ويتذكر كل عزيز غيبه الموت جسدًا ولكن لايزال يسكن الروح بحنين وآنات.
شومان: رفعت سلام هو الشاعر الحديقة
ومغالباً أحزانه قال شومان كلمته المختلطه بمشاعر الحزن: سلام هو الشاعر الحديقة، مثلما يوجد الشاعر الزهرة والشاعر الشجرة..كنت ومازلت أراه الشاعر الحديقة بكل ما تحويه الكلمة من معان، وهوعندي ليس مجرد شاعر كبير وفقط بل هو الكبير القدير في كل مجال عمل به، فقد كان أيضًا صحفيًا قديرًا وإنساناً نبيلًا النبيل وصاحب المشاريع الكبرى، الذي لا يجب أن ننسى تجاربه النقدية المهمة، وبحثه في التراث العربي ولا سيما التراث الشعبي. وختم حديثه بالدعوة إلى إقامة مؤتمر سنوي باسم رفعت سلام يتناول بالبحث والنقد مجمل أعماله ومشاريعه الكبرى.
وتحدثت الكاتبة والأديبة عزة أبو العز فقالت إنها منذ أن حضرت أعمال ندوة الاهرام العربي المهمة عن رفعت سلام والتي جمعت أعمالها في كتاب حمل عنوان «النهار الآتي» وهي تطل على عوالم هذا الشاعر الفذ وتعيد قراءة أعماله الشعرية والبحثية وتجد فيها روحا شعرياً مختلفة. وأشادت باللغة الشاعرية عند رفعت سلام وأفكاره ومضامينه، منوهة بدواوينه التي لايشبه فيها أحد من الشعراء، فقد كان مدرسة متفردة .
جدير بالذكر أن الملتقى فتح أبوابه للمواهب الشعرية والأدبية المتعددة وأتاح للشاعر الشرقاوي(من بلبيس) محمد عبد العزيز شعبان الفرصة لقراءة قصائده أمام رواد الملتقي.
شهد أعمال الملتقى أدباء وكتاب وصحفيون وشعراء، يتقدمهم الكاتب الصحفي محمد جاد هزاع والكاتب الصحفي حمدي حمادة والكاتب الصحفي مجدي صالح، والسيناريست حسان دهشان. وحضر أيضا الشاعر والمحقق محمد فوزي حمزه والذي ألقي إحدي قصائده.
وكشف الشاعر نور الدين زكي عن موقف جمعه بالشاعر رفعت سلام كشف له عن تواضعه وانسانيته، فقد دعاه هاتفيا وهو طالب بالجامعة لحضور أمسية شعرية فلم ينتظر أن يدعوه رئيس جامعه أو وكيل كليه أو حتي أستاذ بالجامعة، وإنما لبى الدعوه وحضر وشارك معهم بسعادة غامرة وبلا تكلف.
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية