إضاءة خافتة في شارع صغير، يلعبون فيه أطفال صغار يظلوا يجروا وتعلوا ضحاكتهم وحركاتهم تصنع ضجة، وسط هذا يخرج أحد الأشخاص الكبار لينتهرهم حتي يهدأو ويدخلوا إلى منازلهم، فيقف الأولاد صامتين وإذ بهم يسرعوا نحو بيوتهم .
وفي نفس الليلة تهطل الأمطار بغزارة خارج الشبابيك والبيوت مغلقة على أصحابها ويطل من نافذتها الاولاد بنظرات فرحة تجعلهم يحاولوا الطيران خارجاً، ووسط ذلك يوقفهم الكبير بالبيت عن ذلك للإعادتهم إلي أماكنهم حيث المذاكرة ثم النوم للأستيقاظ باكراً للذهب للمدرسة ، فينقطع المشهد الجميل فورًا، وينفذ ما قيل.
أنها ليالي الشتاء الجميلة، وهذه المشاهد هي بيوت المصريين، الأول بأغلب شوارع الصعيد والثاني بمناطق القاهرة ومختلف المدن، تلك التي كان الرئيسي فيها أحترام الكبير مهما قال لهم، فكانت من ضمن تنبيهاته للصغير الأحترام والطاعة وعدم خروج أي كلمة خارجة من أفواههم، ونهيهم عن توجيه النقد بشكل جارح أو قول كلام غير مناسب لأي شخص.
أعيد هذه الأمور لذهني التي كانت موجودة في التعسينيات وأوائل القرن الـ 21 ، لأنني أري اليوم شيء لم أعرف من أين أتي وكيف تكون، ما أتحدث عنه كم الألفاظ والكلمات الجارحة التي يلقيها ملايين الناس حالياً على مواقع التواصل الأجتماعي، سواء كان على صور شخصيات عامة ممثلة أو ممثل أو صور للأشخاص مختلفين في أي شيء، تجعلهم يتنمرون بأفظع الكلمات، تلك الكلمات التي لما ينجوا منها حتى المتوفي أيضاً.
الحقيقة كلما قرأت جزءًا من تلك التعليقات أنزعج كثيراً من كمها الهائل الذي يصل إلى الألوفات وحدتها وعنفها غير المعتاد علينا، فقرآت ذات مرة بوست لممثلة لم أتذكر اسمها وضعت صورة لها وهي حامل كانت تطلب من جمهورها الدعاء لها وإذ باحد التعلقات يدعوا لها بسقوط حملها، هذا بالأضافة إلى الذي يحدث عندما يتوفى شخص ما، تجد أغلب الكومنتات تتجه نحو هل سوف يدخل الجنة أما النار، الأصعب كان عندما سمعت الممثلة الطفلة منه عرفة وهي تتحدث عن كمية النقد السلبي التي تكتب على صورها وكيف أنها أثرت عليها وجعلتها تشعر بكره الناس لها.
الحقيقة الجو أصبح حولنا سلبي بكل المعاني، كنا قديماً نتعلم أنه ليس من الأدب أن نقول كلمة غير لطيفة لشخص في وجه، فما الذي يحدث، وكيف لا يدرك هؤلاء الناس خطورة كلماتهم علي أصحابها وما الهدف منها؟ وما وجه الاستفادة التي يعود بها على كاتبيها؟ أين ذهبت الكلمة الحلوة؟ إلا نعلم جميعاً أن الكلمة الطيبة صدقة، كيف نعطي زكاء من نقودنا ولم نعطيها من اللسانتنا.
هل أصبحنا لم نعرف التعامل بإيجابية؟ لماذا شوارعنا الآن “السوشيال ميديا” تحولت جميعها للنيجاتف فقط، علينا نعيد إلى قواعدنا وأصولنا، ونتذكر ما تعلمنا ونعلمه للأجيال القادمة، لأن هذه الكلمات تلقي بسيوفها على نفوسنا جميعها ليس أصحابها فقط، وإنما تؤثر علينا نحن القارئون لها، فما هي إلا عبارة عن طاقات سلبية تغيم على الوضع كله.
للمزيد من مقالات الكاتبة أضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية