ظل الفساد يعيث في الأرض منذ أعوام عديدة، وهو الأداة التي تمتص قوت المواطن الفقير بطرق مواربة، منها ما كان جليا. في إدارات المحليات. والذي أدى إلى سقوط مدوي لبعض الحيتان. بل كانت مثل قروش الثور الخطرة، داخل المؤسسات المعنية بملف البناء والتشييد.
وظل المواطن في حيرة من أمره، هنا امتعاض شديد. وآخر أسرع ملبيا لتقنين أوضاعه. وآخر ينخر في جسد المواطن، عن طريق الاكراميات والشاي وخلافه، مقابل قضاء المصلحة التي كلفت الدولة في الأصل ذلك الموظف بها بدون مقابل..
وهنا المعضلة الحقيقية، فالأول مسؤولة عنه الدولة بتقليم أظافره ومحاسبته بالقانون. أما الثاني فالمسؤول عنه المواطن في المقام الأول. حينما رضخ لمتطلباته وآثر على نفسه دفع الجباية بغية قضاء المصلحة. وهو ما يعيدنا إلى قضية شديدة الخطورة وهي أننا من نقدم «العلفة المعُتبرة» لاستفحال الباسرية الصغيرة لكي تصبح قروش مستقبلية تعبث بشؤون الوطن والمواطن، وتلقي اللوم على رأس السلطة، باعتبارها تعمل في الخفاء. وحين يفضح أمرها على رؤوس الأشهاد ترفع أيديها عالية «مرددة برئ يا بيه».
معلوم أن قضية الفساد، تكاد تكون قضية عصية الحل، فما تقوم به الدولة من مجهودات مضنية، لملاحقة المفسدين في الأرض. بات أمر جلي، لتحسين المناخ الاستثماري بشكل عام. فالفساد يعد وصمة عار منقوشة على جبين أي مواطن، لذلك كانت الرقابة الإدارية لها مجهود فعال في عرقلة اللصوص وناهبي ثراوات الوطن. خلال الفترة الماضية، ولازالت موجودة، والأمثلة كثيرة في عمليات القبض التي شنتها الأجهزة المعنية على الفاسدين. وهو ما لم نراه إبان حكم الأنظمة السابقة، والتي شهدنا خلال سيطرتها على مقاليد الحكم من مشكلات جمة، ألقت بظلالها على الأجيال الحالية، وهو ما يعد انتهاك واضح لحقوق الإنسان وفق مفهوم التنمية المستدامة، وهي عملية التطوير لجميع مؤسسات الدولة للانتقال لمرحلة منفعة للجميع على جميع الأصعدة.. بما لا يؤثر على الأجيال المقبلة.. فلماذا اختزلت تلك المسألة خلال الأنظمة السابقة؟ … لا مجال للنزاع الآن فاللصوص سيسقطون تباعًا وعلى مرأى ومجمع من الخلق.
مجهود مشكور تقوم به الرقابة الإدراية، منذ عام 2014 ، انعكست قدراته في تحسن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، بنحو 12 مركزا، لتحتل الترتيب الـ 105 بين 180 دولة، منها وقوع مسؤولين وموظفين في مواقع متعددة في مؤسسات الدولة تحت طائلة القانون. إشارة كالنيران في الهشيم، تعكس مدى حرص الدولة على تقليم أظافر مدعي الشرف والأمانة وهم منها براء. تلك العصا التي أصبحت تؤدب كل من يحاول الخروج عن النص. وكما يقول المثل الشعبي، «أضرب المربوط يخاف السايب». ولكن هل يستفيق السايب من غفلته؟، قبل أن تغل يديه ويصيح خلف القضبان الحديدية. «إلحقوني» ولكن بعد فوات الأوان..
إن ميكنة جميع الخدمات في الدولة، والتحول الرقمي، سيكون عصا موسى السحرية. في تنغيص عيشة الحرامية، ومستغلي ظروف المواطن الفقير، في تقديم جميع الخدمات التي تقدم له، يحكي لي صديقي أنني ذهبت لقضاء أحد الخدمات لأجد من يقوم بتحصيل مبلغ مالي. لقضاء تلك المسألة مما أثر غضبي، وامتنعت عن الدفع. ومن هنا لماذا لا نقف بجانب الدولة في محاربة الفساد، بمعنى أننا في حالة طلب أي موظف داخل أي مؤسسة، ما يسمى بـ«الشاي أو الدخان» بأن نقوم بعمل فضيحة بجلال والابلاغ فوريا. لأقرب قسم تابع لتلك المنطقة ومنها للرقابة الإدارية، مع العلم بوجود شهود. حتى يتم محاسبة تلك الموظف، على جرمه. ويتم عزلة فوريا من وظيفته، لأنه أثبت أنه غير أمين على مصالح الشعب، وشغله الشاغل مص دماء الغلابة.
الخلاصة، أن تلك العصابة التي تحاول الحصول على أموال المواطنين خلسة. لا تظهر أو يسمع لها صوت إلا في السجون، وذلك بعد أن أكلت من لحم المواطن المصري، حتى جف لسانها، حينها تقلب الطاولة على المسؤول الأعلى، وهو ما بدوره يعمل على زعزعة الثقة بين المواطن ورأس السلطة. ويفتح جبهات متعددة لدخول القنوات المعادية للدولة على الخط لتنفث سعابينها السموم داخل عقول الشعب. لتأليبه على رأس السلطة، فلماذا نسمح بذلك!.. يا سادة الفساد الإدراي أخطر من الفساد المالي بكثير فالثاني في طريقه للميكنة، أم الأول هو من يتعامل مع الجمهور.. إسمعونا!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية