لا شك أن التجربة السياسية المصرية لم تشهد تراكمًا في الممارسات الديمقراطية على نحو يمكن التعويل عليه كثيرًا في وجود نخب وأحزاب سياسية ومنظمات مدنية. ذات تأثير قوى وفعال في المجتمع، وهى إحدى اشكاليات واقعنا السياسي الذي تتحمل أوزاره نظم حاكمة سابقة. لم يكن لديها الإرادة السياسية الحقيقية لبناء مجتمع ديمقراطي سليم يساهم في صياغة وتشكيل الوعى لدى الرأى العام. كسبيل للنهوض والتنمية الشاملة.
وإحدى وسائل حماية الدول من حروب الجيل الرابع التي تعتمد على اسقاط الدول من داخلها تحت مزاعم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من المصطلحات التي تدغدغ بها مشاعر بعض الفئات بالمجتمع.
ولعل إشكالية مصر الحقيقية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت في الفراغ السياسي الذي حل بالوطن بسبب الاعتماد على نظام الحزب الواحد، مع وجود أحزاب وضعتها الدولة تحت أجهزة التنفس الصناعى.
وبمجرد سقوط الحزب الأوحد حدثت عملية الفراغ، وكان من الطبيعي أن تقفز الجماعة الإرهابية على السلطة بكل سهولة ويسر بعد أن تركها النظام ترتع في المجتمع شمالاً وجنوبًا ومنحها عددًا لا بأس به فى المجالس النيابية. حققت من خلاله مكاسب شعبية واقتصادية كبيرة.
ومع ممارستها الفاشية في السلطة تكشفت نواياها الحقيقية، وفي أول مواجهة مع الشعب كشفت عن وجهها الحقيقي بعد أن مارست كل أشكال الإرهاب في مواجهة معارضيها مما أدى إلى تفجير ثورة الغضب المصري في كل ربوع البلاد.
والحقيقة أنه لولا وجود مؤسسة عسكرية صلبة ووطنية لا تعرف إلا الانحياز للشعب، لتحولت مصر إلى ساحة من الدماء والدمار والانقسامات العرقية والدينية والفئوية، والسقوط في النفق المظلم الذي سقطت فيه دول عديدة.
وإذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد ورث تركة ثقيلة نتيجة كل ما مرت به البلاد حتى باتت «شبه دولة» بعد الانهيار الاقتصادي، وغياب الاستقرار وانتشار العمليات الإرهابية وضعف النخب والأحزاب السياسية كإحدى أدوات نشر الوعى وترابط وصلابة المجتمع. إضافة إلى الحصار الخارجي على مصر في هذا التوقيت.
كل هذا يفسر لنا سبب تأخر عملية التنمية السياسية وخروج الانتخابات البرلمانية بمورثاته القديمة وقبل ثورة الثلاثين من يونيو، ومعظمها ملامح رسخها الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تستغل حاجة الناس وحالة العوز لبعض الأسر الفقيرة. وجميعها موروثات اجتماعية بالية مثلها مثل البيروقراطية وبعض أشكال الفساد التي تسعى الدولة للقضاء عليها، وتحتاج إلى مواجهة مجتمعية شاملة لبعض الوقت حتى تحدث عملية التنمية السياسية، خاصة أن الحاجة إلى التنمية الاقتصادية كانت ملحة عقب الثلاثين من يونيو.
ورأينا بالفعل عملية التحول الكبيرة التي حدثت في مصر في وقت قصير، وأدت إلى نمو اقتصادي كبير، وغيرت من وجه الحياة في مصر في محاور كثيرة، وبدأت مصر تسير في ركب التطور والحداثة وتستعيد وجهها الحضاري، ومستمرة في تحقيق أهدافها رغم جائحة كورونا التي شلت العالم.
وفي اعتقادي إن عودة مجلس الشيوخ للحياة النيابية، وبما يضم من نخب في شتى المجالات قادر على إحداث نقلة نوعية في هذا الوطن، خاصة أن اختصاصاته المقررة في الدستور تمنحه مهام عملية التنمية السياسية لتقوية دعائم الديمقراطية وأخصها الانتخابات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وإعلاء قيم التنافسية السياسية وتمكين المرأة والشباب ودعم القيم العليا للمجتمع والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ودعم الحقوق والحريات العامة. إضافة إلى باقي مهامه الأساسية سواء في التعديلات الدستورية أو المعاهدات الخارجية وكل ما يتعلق بحقوق السيادة، وجميعها أدوات تحقق لمصر عملية التنمية الشاملة وتجعلها فى مقدمة الدول المؤثرة إقليمًا ودوليًا.
حمى الله مصر من كل سوء.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية