الحديث عن الشخصيات الوفدية، التي قدمت الكثير لهذا الوطن، هو حديث لا ينتهي. وما بين الحين والآخر، أحياناً نتوصل لمعلومات عن قيادة وفدية، لا يعرفها معظم الناس. وقد لا يعرفها الكثير من الوفديين، رغم أنها شخصيات عاصرت أحداثاً مهمة، وتصدرت مشاهد ثورة 1919. وقادت الجماهير نحو باب الحرية ومقاومة الاستعمار، وأنا شخصيًا أعتبر أي معلومة جديدة عن قيادات الثورة كنزاً كبيراً.
منذ أيام، تلقيت مكالمة من الأستاذ عبد السلام نعيم، وهو وفدي أصيل من دمنهور بمحافظة البحيرة. وتحدث معي عن جده الشيخ عبد الباقي سرور نعيم، أهم قيادات ثورة 1919 في البحيرة، وقال إنه سوف يرسل لي بعض التفاصيل المتاحة عنه، لأن جده لم يحصل على حقه من معرفة المصريين والوفديين به.
بعض المعلومات المتوافرة لدى والد الأستاذ عبدالسلام نعيم، الحاج محمد نعيم، هي أن الشيخ عبد الباقي سرور نعيم، من مواليد فبراير عام 1887 في قرية قراقص بدمنهور، ووالده الشيخ سرور نعيم من علماء الأزهر الشريف، وقد درس الشيخ عبد الباقي في كُتاب القرية. وتعلم الكتابة والقراءة. ثم أتم حفظ القرآن الكريم كاملًا في سن مبكرة، وكان عمره إحدى عشرة سنة. ثم انتقل مع شقيقه عبدالمجيد للدراسة في الأزهر الشريف، وتفوق دراسيًا حتى أصبح رمزًا أزهريًا. ومن أقرانه الشيخ عبدالعزيز جاويش والشيخ محمد عبده، وإن كان الشيخ محمد عبده من أساتذته، إلا أنه وصل لدرجته في الأستاذية.
في عام 1910 تقدم الشيخ عبد الباقي لامتحان «شهادة العالمية» وحصل عليها بتفوق كبير، وهو ما أهله للتدريس في الأزهر الشريف لمدة عامين. واتجه بعدها للكتابة في الصحف والمجلات، وكانت معاركه الفكرية مع المستشرقين مؤهلة له لكي يتردد اسمه وسط المثقفين. وهو الأمر الذي جعله يتعرف فيما بعد على الزعيم سعد زغلول.
تطورت العلاقة بين الشيخ عبد الباقي سرور نعيم والزعيم سعد زغلول، عندما تولى الشيخ جمع توكيلات الشعب للزعيم ورفاقه لتمثيل الأمة في مؤتمر الصلح بباريس، وكان الشيخ مسئولًا عن مديرية البحيرة. فقد التقى بالزعيم في القاهرة وعاد إلى البحيرة حاملات عشرات الآلاف من التوكيلات. وتمكن من جمع التوكيلات وإعادتها إلى إدارة الوفد ممهورة بتوقيعات وبصمات وأختام أبناء البحيرة.
لم يكتف الشيخ عبد الباقي سرور نعيم بجمع التوكيلات ولكنه تولى قيادة المظاهرات الأولى في مارس 1919 ليقود الثورة الأم في البحيرة، ليتم القبض عليه، وتثور البحيرة ويقرر المتظاهرون التجمع في دمنهور يوم 21 مارس، ولم يبرحوها إلا بعد الإفراج عن الشيخ عبد الباقي الذي أصبح أيقونة ثورة 1919 في البحيرة.
من الوثائق التي تلقيتها من الأسرة ما كُتب عن الشيخ عبد الباقي أنه تم تقديمه لمحاكمة عسكرية أقامها الاحتلال لمحاسبة قيادات الثورة عقب تطبيق الأحكام العرفية، وقد قال له القاضي العسكري أنه متهم بنشر الفوضى ومقاومة السلطات بتحريض من سعد زغلول، وسأله القاضي: هل أنت مُذنب أم غير مذنب؟ فكان رد الشيخ عبد الباقي سرور نعيم: غير مُذنب.. بل إن المذنب هو الرئيس الأمريكي ويلسون الذي قال إن من حق الشعوب تقرير مصيرها وقد استجبت لندائه وطالبت بحق بلادي في الاستقلال! كانت الإجابة صادمة.. وكانت نتيجتها الحكم بالبراءة.
الشيخ عبد الباقي سرور نعيم لم يكن قائدًا وزعيمًا ثوريًا فقط، ولكنه كان مفكرًا وكاتبًا حتى إنه أصدر كتابًا عن الفلسفة والعلم والدين. بالإضافة إلى أنه ظل رمزًا لثورة 1919 في البحيرة، وما زال أهل قريته يتفاخرون بزعامته للثورة في البحيرة بأكملها.. وقد توفي الشيخ في نفس السنة التي شهدت رحيل الزعيم سعد زغلول عام 1927.
تحية لكل من ساهم في حرية هذا الوطن عبر كل الأجيال. وتحية لكل قيادات ورموز ثورة 1919.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية