في ظل سياسة الانكفاء التي تعاني منها الدول العربية نتيجة انشغالها بمشاكلها الداخلية وترتيب بيتها الداخلي، ومع تزايد المواجهات بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال الصهيوني، وتزايد الاقتحامات والاعتداءات على مدينة القدس والمسجد الأقصى، أكدّ علماء ودعاة خليجيون ضرورة نصرة الأقصى والقضية الفلسطينية، والوقوف مع الشعب الفلسطيني ومساندته في مقاومته ضد الاحتلال، وأكدوا أهمية المواجهة التي يخوضها بوجه الاحتلال لحماية المقدسات.
– القضية الفلسطينية باتت نافلة أو إحساناً
وفي هذا السياق، أكدّ الأمين العام المساعد لرابطة علماء المسلمين د.عبد المحسن المطيري ، “أنّ الاهتمام بالقضية الفلسطينية في ظل الانقسام العربي بات ضعيفاً ومحدوداً، نظراً لأنّ كل دولة أصبحت تهتم بحدودها ومشاكلها الداخلية، حيث بات الاهتمام بالقضية الفلسطينية كأنّه نافلة أو إحسان”، مشيراً الى أنّ ذلك “بات واضحاً في ظل الأحداث الحالية التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية، وهذا ولّد عندي وعند الآخرين انطباعاً بعدم الرغبة في التحرك تجاه القضية”.
ويرى المطيري بأنّ “الدول العربية ليس لديها الإقدام الحقيقي، ولا يوجد أي تحرك واضح تجاه ما يحدث في فلسطين”، مؤكداً أنّ “رابطة علماء المسلمين قامت بمخاطبة الشعوب والعلماء ورجال المال لأجل نصرة أهل فلسطين”، مشيراً إلى أنّ “هذه الأحداث دائماً ما كانت تتكرر تاريخياً باستمرار، فقد استطاع قادة عظام مثل صلاح الدين الأيوبي وعماد الدين زنكي توجيه الأمة نحو التحرير خارج إطار الخلافة”، مؤكداً “ضرورة التحرك تجاه قضايا الأمة بعيداً عن الانشغال بمن يريد النصرة أو لا يريد أن يقدم شيئاً، وهذا ما بدا واضحاً في الانتفاضة الأولى والثانية، فالشعب الفلسطيني ليس عدده بالقليل فهو يقدر بالملايين، وقادر على أن يقدم شيئاً كبيراً”، مشدداً على “أهمية توحيد ورص الصفوف، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني حتى تثمر الانتفاضة الثالثة وتكون سلاحاً قوياً يقف بوجه الكيان الصهيوني”.
وحول فاعلية لغة الخطابات والاستنكار، ومدى قدرتها على إحداث تأثير حقيقي، يوضح المطيري قائلاً: “البيانات والكلمة هي إحدى وسائل التغيير؛ وأحد أهم أساليب إنكار المنكر، فبداية الشرارة كلمة، وعندها سيحصل عند الناس ثقافة ووعي وعلم، عندها تتحرك الشعوب ويتحرك الحكام من بعدهم”، مشيراً إلى أنّ “الفلسطينيين يفرحون بأي استنكار أو شجب من جهة غربية تقف ضد الاحتلال الإسرائيلي، فكيف لا يوافقون عليها إذا جاءت من أقرب المقربين إليهم ومن أشقائهم العرب؟”، مؤكداً أنّ “لغة الشجب والاستنكار تؤثر بشكل كبير على دولة الكيان الصهيوني، بل إنّها تتوجس ريبة من أي انتقاد أو شجب أو استنكار يقف ضد سياستها في المنطقة”.
– المطلوب من الخليج توحيد ودعم الفلسطينيين
وفي الإطار نفسه يؤكد النائب في البرلمان البحريني ورئيس مجلس أمناء مدرسة الإيمان، الشيخ عادل عبد الرحمن المعاودة، أنّه “يجب أن ندرك أنّ قضية القدس وفلسطين هي في وجدان كل مسلم وعربي تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، على الرغم من كل المحاولات لإبعاد العرب والمسلمين عن القدس، وتصوير الأمر على أنّه شأن فلسطيني ليس لأحد من الأمة التدخل فيه”، ملمحاً إلى أنّ “قضية فلسطين ستبقى هي القضية المركزية والمحورية لكل المسلمين في العالم، بأبعادها الدينية والحضارية والتاريخية، وهي تمثل أساس الصراع مع المحتل الصهيوني”.
ويتابع المعاودة ، بالقول: “الدعاة والعلماء هم من حملوا بقاء القضية في قلوب الناس، وإن كان المطلوب أكبر وأكثر، لكن هم الذين يدعون لتحمل القضية، في حين أن الجماعات الليبرالية والعلمانية قد تخلت للأسف عن القضية، أو كادت”، معتبراً بأنّ “دول الخليج قد أثبتت أنّها تحمل هم الأمة بخلاف بعض الدول العربية التي أصبحت إما مشغولة بوضعٍ مرتبك أو منكفئة على حالها، وربما آخرون في خيانة غير معلنة”، مشدداً على أنّ “المطلوب من دول الخليج بمكانتها في العالمين العربي والإسلامي محاولة جمع الجميع في رأي وجهود مشتركة لدعم الفلسطينيين وصد العدوان الغاشم، وقد يستلزم ذلك إطفاء بعض الحرائق المنهكة للأمة كالتي يذكيها أعداء الإسلام والعروبة في سوريا واليمن ليشغلوا المنطقة بالمنافقين الصادين عن عز الأمة”.
– ضعف المواقف السياسية
أما المفكر الاستراتيجي ومؤسس مشروع النهضة بقطر، د. جاسم السلطان، فإنّه يتوافق في حديثه بعض الشيء مع المطيري والمعاودة، مؤكداً أنّ “العلماء والدعاة سواء كانوا شخصيات رسمية أو مستقلة، جميعهم متعاطفون مع القضية الفلسطينية”، مشيراً إلى أنّ “المشكلة الحقيقية التي باتت تواجه الأمة هي اكتفاء هذه النخب بلغة البيانات والشجب وتثبيت الناس على الصبر، خصوصاً في ظل الواقع الأمني الضخم التي تعيشه أمتنا، فكلٌّ بات مشغولاً بجراحاته وآلامه”.
ويعتقد السلطان بأنّ “المواقف السياسية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام هي أضعف وأقل من احتياجاتها، حيث كانت تقتصر هذه المواقف على المظاهرات والاعتصامات ضد الكيان الصهيوني، ثمّ ينتهي الحديث دون أن يحدث أي شيء حقيقي وملموس”، مشدداً على أنّ “الأمة باتت في حالة إخفاق وعجز ضخم، داعياً الشعب الفلسطيني إلى الثبات والصبر لأنّهم يستطيعون القيام بأمور كبيرة عجز عنها الآخرون”.