ما إن تبدأ موجة تصعيد جديدة وتدق طبول المواجهة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين بمناطق التماس في “الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة”، حتى تبدأ الإذاعات المحلية والقنوات الفضائية مهمتها الوطنية بشكل فوري في بث وإذاعة الأغاني والأناشيد الثورية، التي تعطي الحماس والتحفيز والقوة للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال وجيشه.
– “لحن الثورة.. وقود الانتفاضة”
هذه بعض المسميات التي رافقت الفلسطينيين في الكثير من المواجهات والأحداث الكبيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان أبرزها انطلاقة حركة “فتح” عام 1965، ومن بعدها الانتفاضة الثورية الأولى التي اندلعت في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987، ومن ثم جاءت الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/ أيلول 2000، والآن تواكب وبالطريقة نفسها في بث الأغاني الثورية والوطنية، “انتفاضة القدس” والتي بدأت مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ومستمرة حتى اللحظة.
ويكاد كل فلسطيني، ومن خلال استماعه أو مشاهدته لبعض الأغاني الثورية التي رافقت الهبات الشعبية، ومن أبرزها “أنا الثورة، يا جماهير الأرض المحتلة، وين الملايين، اللوز الأخضر، أعلنها ثورة، بأيدي رشاشي، يا حمام القدس لوح، أناديكم، طل سلاحي”، وخاصة تداولها على مواصل التواصل الاجتماعي بأشكاله المختلفة، يعلم جيداً أن هناك مواجهات ودقت طبول الانتفاضة من جديد.
– لحن الثورة
ولكن، يبدو أن الاحتلال يخشى كثيراً بث تلك الأناشيد، وهذا ما شهدناه من خلال حملاته المسعورة في إغلاق وقصف الإذاعات والفضائيات في الضفة وقطاع غزة، ولعل القطاع كان له النصيب الأكبر وخاصة في الحرب الأخيرة بعد قصفه وتدميره لعدد من الإذاعات أبرزها” إذاعة القدس – صوت الأقصى – البراق”، إضافة لتدمير مقري فضائيتي “القدس والأقصى” تدميراً كاملاً.
فيما كشفت كذلك قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعدم السماح ببث أغاني وطنية حماسية في وسائل الإعلام الفلسطينية، بزعم أن مثل هذه الأغاني تحرض الشباب على انخراط الشباب الفلسطيني في عمليات المقاومة”.
وفي هذا السياق؛ نقلت وسائل إعلام محلية فلسطينية، أن السلطة الفلسطينية أصدرت تعميماً لجميع الإذاعات المحلية بتهدئة الأوضاع وعدم بث الأغاني الوطنية في المرحلة الحالية أو التخفيف منها.
فادي عبيد، مدير في إذاعة “صوت القدس” بقطاع غزة، إحدى الإذاعات الأوسع انتشاراً داخل الأراضي الفلسطينية يؤكد أن “الأغاني الوطنية خلقت حالة وعي كبيرة لدى الجمهور الفلسطيني، في كيفية استنهاضه وبث روح المواجهة بداخله، تماشياً مع الأحداث التي تجري من حوله”.
وقال لمراسل “الخليج أونلاين”: “الأناشيد والأغاني الوطنية، حققت خلال فترة قصيرة جداً ما عجزت وسائل كثيرة عن تحقيقه داخل المجتمع الفلسطيني، فعندما تسمعها على الإذاعات أو تشاهدها على التلفاز، يتكون لك وعي بأن هناك مواجهات وأنك يجب أن تنهض لتتصدى للاحتلال”.
وأضاف: “خلال سنوات طويلة، ومنذ اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى، كانت الأغاني والأناشيد الثورية رفيقاً لكل مناضل ومقاوم فلسطيني، فتلك الأناشيد أثرت بشكل كبير في نفسية الفلسطينيين، والإذاعات المحلية كافة حريصة على نشر تلك الأغاني، لما لها من أهداف وأثر كبير”.
https://www.youtube.com/watch?v=jvS_OFASCvg
وذكر عبيد أن “مثل تلك الأناشيد والأغاني الثورية، تقلق بشكل كبير الجانب الإسرائيلي، فيسعى خلال المواجهات والحرب إلى استهدافها، لإيقاف بثها وإعطاء تعتيم على الأوضاع وعدم وصول المعلومة الصحيحة للفلسطينيين والعالم”.
واعتبر دعوة نتنياهو الأخيرة لإيقاف بث الأناشيد الثورية، دليلاً واضحاً على أن تلك الأناشيد لها أثر إيجابي كبير بالنسبة للفلسطينيين في استنهاض هممهم ودعمهم في مواجهة الاحتلال وجيشه ومستوطنيه، ولما له من أثر سلبي على إسرائيل في أثر تشكيل حالة الوعي القوية، وأن الجيل القادم أكثر خطورة عليهم”.
– نبذة
أناشيد الثورة الفلسطينية ظهرت في السنوات التي تلت انطلاقة الثورة الفلسطينية، وشكلت لوناً جديداً من الفن الذي أصبح يعرف بالفن المقاوم.
وتأثرت الأناشيد الأولى بالأغاني والأناشيد القومية المصرية وركزت في البداية على الطابع العسكري، قبل أن تشمل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية لفلسطينيي الشتات. فبعكس الأناشيد الحديثة، كان العنصر الطاغي على الأناشيد القديمة هو توثيق الواقع الفلسطيني في مخيمات اللجوء إضافة إلى التحفيز على المشاركة في العمل العسكري الفدائي والتغني بالصمود والمقاومة بأشكالها كافة.
– رفيق الانتفاضة
من جانبه، أكد الكاتب والشاعر الفلسطيني، رزق البياري، أن “الأناشيد الثورية بالنسبة للفلسطينيين، تعد بمثابة صوت الروح والأرض، الذي ما إن بدأ في النداء حتى التفت حوله الفلسطينيون كافة، من جميع المناطق والأعمار”.
وأضاف لمراسل” الخليج أونلاين”: “نحن ككتاب وشعراء فلسطينيين، نعتمد من خلال نشر الدواوين الشعرية المهمة، والتي يتحول جزء من نصوصها لأغانٍ ثورية ووطنية، على الكلمات التي تؤثر في الشعب وتستنهض قواه الداخلية”.
وقال: “الشعب الفلسطيني يحتاج لروح قوية، ونبث له تلك الأغاني والأناشيد لتبقى روحه دائماً معلقة بحب الوطن، والاستعداد في كل وقت ومكان للدفاع عن أرضه ووطنه وشرفه، ومواجهة المحتل الإسرائيلي بكل وسيلة حتى وإن كانت حجراً صغيراً”.
وأوضح الشاعر الفلسطيني أن “تلك الأناشيد والأغاني الوطنية تعتبر كروح مقدس بالنسبة للفلسطينيين، وكان لها أثر كبير في صمودهم وتحديهم، خلال المواجهات الكبيرة التي جرت خلال السنوات الأخيرة، وأبرزها الانتفاضتان الأولى والثانية”.
ولفت إلى أن “الأناشيد الوطنية تعد عامل شحن مهم للفلسطينيين، ولا يمكن أن تكون هناك انتفاضة أو مواجهة دون دعم ومساندة روحية”، مشيراً إلى أن “الاحتلال الإسرائيلي يحاول دائماً قتل تلك العزيمة، وعدم بث الأغاني الروحية والوطنية، إلا أنه في نهاية الأمر يفشل في ذلك، وتبقى كل الأغاني الوطنية رفيقاً للانتفاضة”.
https://www.youtube.com/watch?v=Ovtz7hx1Amc
– وقود المواجهات
بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، علاء الريماوي، أن “بث الأغاني والأناشيد الثورية الفلسطينية، خلال فترات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، كان لها دافع قوي في تحفيز الشباب على المواجهة والتقدم والتصدي للاحتلال”.
وأضاف: “الفصائل الفلسطينية نجحت في حشد الدعم الشعبي، من خلال بث بعض الأغاني والأناشيد التي خُصصت لخلق حالة ثورية معينة لدى المواطنين، وطريقة لاستنهاضهم من جديد، لمواجهة وإشعال الانتفاضة”.
وقال: “كان لتلك الأغاني والأناشيد الخالدة حتى اللحظة دور كبير جداً، في التأثير على نفسية وشعور الفلسطينيين، لما يدور حولهم من ظلم واضطهاد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكيفية التأثير بهم نحو رفض تلك الإجراءات والتصدي لها”.
وذكر الريماوي أن “التعبئة والدافع نحو المواجهة، موجودة بشكل كبير داخل الأناشيد الثورية الفلسطينية”، مشيراً إلى أن “حركة حماس من أكثر الفصائل التي نجحت في هذا النوع من التعبئة، وهذا كان حاضراً في كل مراحل الانتفاضة الأولى والثانية وانتفاضة القدس الحالية”.
وختم حديثه بالقول: “الأناشيد الثورية والأغاني الوطنية، تعد إلهاماً حقيقياً خاصة للجيل الجديد، الذي تأخذه الصورة واللحن إلى حالة من الغضب وتفعيله بالخروج للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي”.