إننا في صدد مشاهدة حوار رائع وجرئ بين اثنين من عظماء السينما: دينيس هوبر وأورسون ويلز، على خلفية عشاء طويل صاخب.
فكم كانت هي فرحة عاشقي السينما بعودة «الجانب الآخر من الريح»، بعد سلسلة من العراقيل المالية والقانونية حتى أعادة نتفليكس إنتاجه وتوزيعه عام 2016.
إذا كنت من عاشقي السينما ومبدعيها فإنك بكل تأكيد ستشاهد فيلم «هوبر/ ويلز» المعروض في القسم الخاص بـ مهرجان الجونة السينمائي الدولي؛ والفيلم عرض أيضا خارج المنافسة في مهرجان فينسيا السينمائي لهذا العام.
ففي نوفمبر 1970 ، سافر دينيس هوبر من تاوس في نيو مكسيكو لتناول العشاء مع أورسون ويلز في لوس أنجلوس.
كان هوبر في خضم إنتاج «الفيلم الأخير»؛ كان ويلز مشغولاً بالتحضير للجانب الآخر من الريح .
وفيلم Hopper / Welles تم اكتشافه باللونين الأبيض والأسود حيث يتحدث المبدعان عن آرائهما في كل شيء؛ وخاصة أن هوبر وجد نفسه لفترة وجيزة موضع ترحيب باعتباره منقذ السينما الأمريكية.
ويلتقط هذا الفيلم لحظة فارقة في حياته، ربما، حيث يمكن أن يجرؤ على اعتبار ويلز الشريك الأصغر.
هوبر يروي قصة مذهلة عن إلفيس بريسلي، حيث صنع فيلمه الأول في سن 21 عامًا ويعتقد أن كل شيء في الأفلام كان حقيقيًا، وأن كل اللكمات كانت حقيقية؛ أن كل البنادق أطلقت الرصاص.
قال إلفيس إنه يستطيع التعامل مع مشاهد القتال على ما يرام، لكنه كان قلقًا لأن السيناريو دعاه أيضًا إلى ضرب امرأة وهو لم يفعل ذلك من قبل في حياته.
ونرى ويلز في موقع تصوير الجانب الآخر من الريح؛ ذلك الرجل العظيم الذي يكره أنطونيوني ويحتقر نشطاء اليسار ويدعي أنه لم يسمع ببوب ديلان قط؛ لكن هل هذا جهل ويلز نفسه، أم أنه تأثر .
يحصل مشاهد الفيلم على إحساس واضح بأن العلاقة الثرية الطويلة بين المبدعين؛ ويستمر الحوار بينهم وتقترب الساعة من منتصف الليل؛ لنستشعر أن ويلز محبط من هوبر .
الرائع في هذا العمل أنه بعد مرور 33 عاماً على موت المخرج العظيم أورسون ويلز، ونصف قرن على شروعه بتصوير آخر أفلامه، خرج «الجانب الآخر من الريح» إلى الضوء.
ووضع بيتر بوجدانوفيتش اللمسات الأخيرة على فيلم المخرج الأميركي الشهير، لنراه جميعا بروح وثائقية؛ وكأننا نشاهد موت «هوليوود الكلاسيكية» وصعود «هوليوود الجديدة»، بفيلمٌ يمزج بين الألوان والأبيض والأسود؛ إنه عمل غير تقليدي؛ قصّة غير مسبوقة وطاقم تمثيل رفيع.
الجدير بالذكر أنه في عام 1970، بدأ أورسون ويلز تصوير «الجانب الآخر من الريح» مستعيناً بطاقم تمثيل غير عادي جون هيوستون، بيتر بوجدانوفيتش، جوزيف ماكبرايد، أوجا كودار ، دينيس هوبر، كلود شابرول وسوزان ستراسبرج في دور ناقدة اسمها جولييت ريتش، وكأنها شخصية الناقدة الكبيرة بولين كايل، إلى جانب ويلز شخصياً، وكثر غيرهم.
«الجانب الآخر من الريح» فيلمٌ شخصي إلى أقصى الحدود، مع أنّ اورسون ويلز لم يرد ذلك، «الجميع سوف يعتقد أن الفيلم هو سيرة ذاتية، ولكنه ليس كذلك» قالها قبل وفاته بفترة.
هي قصة مخرج أميركي أسطوري، مثل ويلز. يعود إلى هوليوود بعد سنوات في المنفى الأوروبي، مثل ويلز أيضاً. يعزم على تصوير فيلم مستقل، كما أراد ويلز دائما ويواجه مصاعب مع شركات الإنتاج الهوليوودية، مثل ويلز تماماً.
إذاً نحن أمام فيلم غير مكتمل يتحدث عن فيلم غير مكتمل أكمله بعد ذلك أصدقاء المخرجَيْن في الفيلم وفي الحقيقة.
ترى بالفيلم بصمات ويلز الاستفزازية، قوته الفوضوية وحتى الوحشية واضحة.
الفيلم إعادة بناء حياة، عودةٌ من أجل السينما عبر السينما، نقدٌ لاذعٌ من ويلز لهوليوود، للسلطة وكذلك لنفسه.
يقال إنّ ويلز قال لهيوستون عن الفيلم: «إنه عن شخص غير سوي، مخرج أناني، يمسك بالناس، يخلقهم ويدمرهم».
كلنا سنتذكر مع هذا العمل ما قاله أورسون ويلز بلهجة جادة: «الكاميرا عين وأذن». ما تفعله الكاميرا (وبشكل استثنائي) هو تصوير الفكر والتفكير . تعمل مثل عداد جيجر للطاقة العقلية.
إنها تسجل شيئًا بالكاد يمكن ملاحظته بالعين المجردة. عندما يفكر الممثل، يظهر ذلك التفكير صوراً على الفيلم، من خلال عين الكاميرا هنا يبدأ السحر.
لكن السحر لا يمكن أن يعمل إلا إذا كانت عين الكاميرا بشرية أيضًا. يجب أن تكون هذه العين على مقياس أو بمستوى رؤوس الرجال.
والفيلم عبارة عن شريط من الأحلام. يكون الفيلم جيد حقا فقط عندما تكون الكاميرا عين في رأس .
نحن بهذا العمل نستعيد أورسون ويلز السينمائي العجوز الذي يصدمنا بقوله: «لا أحب التمثيل». هذا لا يرضيني. أمام الكاميرا، غالباً ما أشعر بالألم بدلاً من المتعة. ولكن عندما أمثل، أريد بالتأكيد أن يكون إدائي مثاليًا، حتى بالنسبة لأدوار أكثر رثة.
الممثل الجيد، الممثل الحقيقي في السينما، لا يمكن أن يكون قويًا جدًا. ما لا يجب فعله هو التهاون. التمثيل بشكل جيد يعني أن تكون دقيق وأمين للدور، حاد، وعمودي .
الكاميرا ليست فتاة للإغواء. إنها ليست مرآة أمامنا نستعرض فيها أنفسنا. لم أكن أريد أن أكون ممثلاً أو مخرجًا، بل أردت أن أصبح رسامًا. يؤسفني دائمًا أنه لم يكن لدي ما يكفي من المواهب لكي أصبح رساماً. آه، نعم، أنا آسف … الرسام … كان يمكن أن يكون ذلك جيدًا! .
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية