حنان أبو الضياء تكتب: زوجة الجاسوس.. فيلم للتعاطف لما يراه البعض خيانة!

بروح الإيقاع التأملي؛ مع التمتع بنكهة كلاسيكية تعود إلى العصر الذهبي للسينما اليابانية؛ يمنحنا المخرج كيوشي كوروساوا فيلم «زوجة الجاسوس» للتعاطف العميق لما قد يراه البعض خيانة.

تناول كوروساوا رؤي متفردة  لتقديم العلاقة الحقيقية مع الشخصيات المعروضة في فيلمه The Wife of a Spy . ومناقشة نشر الوباء عمداً وعن سابق تخطيط ودائرة انتشاره الجغرافي  حيث قتل عدداً كبيراً من البشر من خلال (الوحدة 731) السرية في الجيش الياباني التي قتلت 2100 شخص معظمهم من الصينيين في محاولة لتطوير سلاح بيولوجي يحسم الحرب لصالح اليابان.

ويشير العمل إلى تحول اليابان إلى دولة فاشية؛ مع التطلعات الجريئة للقضاء على الطائفية وتعبئة البلاد نحو إمبراطورية حقيقية، أعاد التحول الفاشي بشكل أساسي تشكيل المجتمع المدني وأدي في النهاية إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.

المخرج يتمتع بحيوية إبداعية نادرة؛ وأعماله تتسائل بذكاء دوما عن العلاقة بين الإنسان والمجتمع؛ والهوية؛ وكثيرا ما يمزجها بتيمات الخوف والموت؛ بل وتحتل أفلام كوروساوا موقعًا مميزاً بين دراما المجاميع الكبيرة من ناحية، والتجريد الفكري من ناحية أخرى.

وكل هذا بالطبع موجود في هذا العمل؛ ولكن رؤيته السياسية في هذا الفيلم يبدي فيها أفكارا عن من هو الجاسوس؟ ؛ وهل يحق نقل معلومات تخص دولتك؛ إلى أخرى تعاديها بحجة حماية الإنسانية؟ ؛ وخاصة أذا كانت تلك الدولة هى الأخرى معتدية.

تلك الأطروحة ناقشها عن واقعة ما فعله جيش كاونتونج الياباني في مدينة خاباروفسك بأقصي شرق روسيا كمجرمي حرب لقيامهم بتصنيع واستخدام أسلحة بيولوجية والقيام بتجارب طبية غير إنسانية خلال الحرب العالمية الثانية؛ مما أسفر عن أضرار هائلة للمدنيين الصينيين.

وما بين مشهد وأخر في فيلم «زوجة الجاسوس» نلاحظ أن المخرج كيوشي كوروساوا يريد أظهار انغماس اليابان التدريجي في الظلام الفاشي مستحضرا العصر الذهبي للسينما اليابانية.

وأحداث فيلم زوجة الجاسوس جاءت في عام 1940 ، لتشير إلى أن زمنها إبان غزو اليابان لمنشوريا عندما سن رئيس الوزراء فوميمارو كونوي جمعية الحكم الإمبراطوري، المؤسسة لحكم الحزب الواحد.

وتضمن الفيلم مشاهد تسجيليىة لم يستغرق ظهورها على الشاشة سوى ثواني عن منشأة سرية بالقرب من هاربين حيث حقن الباحثون اليابانيون هؤلاء الضحايا بأمراض من بينها الجمرة الخبيثة والباراتيفوئيد والطاعون والكوليرا وأمراض أخرى.

يتناول الفيلم حكاية التاجر الياباني يوساكو فوكوهارا في عام 1940 قبل اندلاع الحرب والذي يترك زوجته ساتوكو لمدة أسابيع في مدينته كوبي ويتجه إلى منشوريا؛ ويتزامن هذا مع انضمم اليابان إلى الميثاق الثلاثي مع ألمانيا وإيطاليا.

بينما نري ساتوكو منشغلة أكثر بمسيرتها التمثيلية حيث قامت بتصوير ميلودراما؛ شاهدناه أكثر من مرة في سياق الأحداث والذي يفاجئنا المخرج في نهاية العمل أنه سيكون جزء من خدعة البطل للأجهزة الأمنية اليابانية.

يقدم المخرج في البداية طرحا لعلاقة الصداقة القوية بين يوساكو وتايجي (ماساهيرو هيجاشيدي) صديق الطفولة الظابط الياباني الذي يبدو عنفه في مشاهد تغذيب بشعة لاحقا.

ومع ذلك نجد تعامله مع البطلة بكل مودة؛ ويبدو هذا من مبادراته الودية دوما للأهتمام بها، ومع ذلك لا تخلو نبرته من نغمة تأنيب عندما حذر ساتاكو من ميلها للملابس الغربية والويسكي.

وبعد عودة يوساكو من رحلته الممتدة بشكل غامض إلى منشوريا ، تصاب ساتوكو بالصدمة لسماعها من تايجي الظابط الياباني أن زوجها أعاد امرأة أخرى إلى اليابان، والتي تم العثور عليها مقتولة.

ثمة توافق للممثلين في «زوجة الجاسوس» وتتناغم مع شخصيتهم وأدائهم الأكثر تعبيرًا ، في فيلم يستغرق ساعتين لحياة لها قوانينها الخاصة بين ساتاكو ويوساكو؛ إنها رحلة تجعلك غير متوقع لتصرف الزوج معها في النهاية.

الطريف أن المخرج أكد في أحد اللقاءات أن رؤيته الفنية تأثرت بكلا من ألفريد هيتشكوك وياسوجيرو أوزو، كما أبدى إعجابه بمخرجين أمريكيين مثل دون سيجل، روبرت الدريتش، ريتشارد فليشر، وتوبي هوبر.

المخرج جعل يوساكويبدو كبطل وليس جاسوس يحاول فضح جرائم جيش كوانتونج، وتحقيق العدالة لضحاياهم؛ وهنا نرى أن السيناريو قام بتقديم يوساكو وتاجي في طرفين متغيرين.

فيوساكو هو شخص نصب نفسه «عالميًا» ولا يعتقد أن «الحدود موجودة»، بينما تايجي قومي متشدد يؤمن بالدولة أولاً.

إن إحساس يوساكو الإنساني بالعدالة يحفزه على فضح جرائم الوحدة 731 ، والتي تتعارض مع إيمان تايجي بأن الإمبراطورية لا يمكنها أن ترتكب أي خطأ.

على الجانب الأخر نجد الزوجة تحدد سياق الصراع بين يوساكو وتاجي؛ ولأنه من المنطقي أن يتغير يوساكو بعد أن شهد قسوة التعامل مع ابن عمه، لكننا لا نعرف كيف تغير.

ولم يكشف الفيلم عن الدوافع الكامنة وراء قرار يوساكو بفضح جرائم الوحدة 731؛ وتحوله من كونه تاجرًا عاقلًا وعمليًا إلى مناض في صورة جاسوس.

وفيلم المخرج كيوشي كوروساوا« Wife of a Spy » أو زوجة جاسوس؛ السيناريو لكوروساوا نفسه والتصوير لتاتسونوسوكي ساساكي؛ وبطولة يو أوي ، إيسي تاكاهاشي، ماساهيرو هيجاشيدي، ريوتا باندو، يوري تسونيماتسو، مينوسوكي هيونري

وأخيرا لا يحتوي الفيلم على رسالة مناهضة للحرب فقط، بل إن المخرج كوروساوا يشعل النقاشات المثيرة لهذه الفترة المؤلمة في تاريخ اليابان.

 للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

 t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية