نون والقلم

ماذا لو طالبت المرأة المسلمة بقيادة الدبابة؟

تقاوم المرأة المسلمة في سورية والعراق واليمن وفلسطين ولبنان والأحواز بكل قوتها، ونراها تواجه الغزاة من صهاينة وصفويين، وتتعرض لما يندى له الجبين من انتهاكات لحقها في الحياة والكرامة والأمان، حتى صرنا نرى المرأة تقاتل بالسلاح للدفاع عن عرضها وتقاوم بالحجارة للدفاع عن أرضها، في حين ذكور وإناث لا يشغلهم سوى حرية الوصول للمرأة من دون مضايقات قانونية أو عرفية.

الجهات التي من المفروض تدافع عن المرأة المضطهدة من طرف طهران وتل أبيب، للأسف الشديد نراها منشغلة بأشياء أخرى، فهذه تتحدث عن حرية المرأة في العري والاختلاط بعدة دول عربية، وتلك تنافح عن حقها في قيادة السيارة بالسعودية ولا يرى سواها.

نساء ورجال صاروا يهتمون فقط بما يعرف بقضية قيادة المرأة للسيارة في السعودية والتي غدت تشغل بال أغلب الحقوقيين العرب وغير العرب في العالم، لأن ذلك في نظرهم لا يتماشى مع الحريات العامة والديمقراطية وحقوق المرأة التي رسّمها القانون الدولي.

ليس المهم في موضوعنا هو حق المرأة في القيادة وما فيه من تناقضات متعددة ومزايدات كثيرة وأبعاد مشبوهة، ما يهمنا هو مدى الاهتمام بهذا الموضوع على حساب ماهو أهمّ للمرأة والمجتمع في العالم الإسلامي وحتى في السعودية نفسها.

نحن نرى أن النساء يتعرّضن للاغتصاب بالعراق في سجون ميليشيات طائفية ترعاها الحكومة على مرأى الناس، وتتعرض أيضا المرأة للاضطهاد والجوع في فلسطين والصومال وأفغانستان والشيشان ومالي… الخ.

في فلسطين صارت المرأة تعدم بدم بارد من قبل جنود صهاينة، فهذه قتلوها لأنهم اعتقدوا أنها تحمل حزاماً ناسفاً وطلعت حاملا في بطنها جنينها، وأخرى رفضت نزع نقابها فقتلوها على مرأى كاميرات التصوير، وتلك تجر على الأرض لأنها تدافع عن مقدساتها في المسجد الأقصى.

أما في كل عدوان على غزة نشاهد النساء في صور لا توصف، جوع وقتل وتشريد وغير ذلك من المشاهد التي تتنافى مع القيم الإنسانية بمختلف مللها ونحلها.

في سوريا تتعرض المرأة إلى ما لا يمكن تخيّله من اضطهاد وقتل واغتصاب واختطاف وتعذيب وتجويع ومتاجرة، حتى وصل الأمر في مرحلة معينة أن طالبن العالم المتشدق بحقوق المرأة إذا لم يقدر على نجدتهن وحمايتهن، ما عليه سوى أن يضمن لهن في إطار الإغاثة الإنسانية حبوب منع الحمل لحماية أحشائهن من الحمل السفاح بسبب ما يجري من انتهاكات للحرمات في السجون أو في البيوت التي يتمكن “الشبيحة” من اقتحامها والعبث بأهلها دون أدنى شفقة ولا رحمة.

الغريب ليس في مطالبة الناشطين الحقوقيين بما توصف بحرية المرأة في بلاد الحرمين، وليس العجيب في الاهتمام المبالغ فيه بقضية قيادة السيارة، لكن الأغرب والأعجب هو الصمت المطبق على ما يجري في سورية من انتهاكات جسيمة بحق النساء، فقد رأينا أمهات يحتضن أولادهن وقد جزّت أعناقهم، وما يندى له الجبين لا يزال في حكم المسكوت عنه سواء بسبب أن المنطقة محافظة ولديها تقاليدها أو الإعلام لم يصل بعد لكشف هذا المستور.

لا يعقل أبدا أن تصمت المنظمات عن امرأة تغتصب وتذبح حتى اضطرت إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها وما تبقى من أطفالها، ووصل الحال إلى حمل لافتات تستفتي أهل العلم في حكم قيادة الدبابة من دون محرم، مادام العالم لا يهتمّ بشأنهن رغم شعارات حقوق الإنسان التي ترفع هنا وهناك.

قد يتساءل أحدنا عن موقف المنظمات الحقوقية لو يفتي العلماء بتحريم قيادة المرأة السورية للدبابة، وفي المقابل يوجد من سيسأل في حال إباحة ذلك، فهل يا ترى ستتحرك المنظمات ضد العلماء لمنعهم المرأة من حقها في قيادة الدبابة؟ هل يا ترى ستتحرك هذه المنظمات ضدهم أيضا إن أباحوا لها ذلك بزعم أنه استغلال للمرأة كجنس ناعم ولطيف أو قد يتهمونهم باستعمالهن كدروع بشرية؟ !

عيب وعار وشنار على من يدعي النضال الحقوقي ويشتغل بكماليات امرأة في مكان ويتجاهل تماما من تحرم من حقها في الحياة بأماكن أخرى ولأسباب طائفية أو مذهبية أو إيديولوجية أو سياسية.

جريمة وانتهاك صريح للقانون الدولي أن يصل الأمر بالنساء إلى المطالبة بحبوب منع الحمل لتفادي المواليد غير الشرعيين من الاغتصاب، أو تلجأ أخريات للقتال وحمل السلاح علها تموت في الميدان أفضل من أن يلقى عليها القبض ويعبث المجرمون بشرفها وكرامتها.

للأسف يقابل ذلك بالصمت وفي أكثر الأحوال يسجلون بعض القلق والتنديد المحتشم عبر البيانات أو من خلال مواقع الأنترنيت، في حين يجري إقامة الندوات والتجمعات حتى تجبر السعودية مثلا على إباحة التبرج والعري والاختلاط.

أذكر في هذا السياق ما قاله لي حقوقي عربي في باريس، بأنه لن يهنأ له بال أبدا حتى يرى غير المحجبات يطفن بالكعبة في مكة المكرمة، والعشّاق يمارسون حقهم في العلاقات الجنسية في ساحة المسجد النبوي بالمدينة المنورة !

وحقوقي عربي آخر حدثني في ألمانيا أنه يناضل فقط من أجل تمكين غير المسلمين من دخول المسجد الحرام في مكة، فإن كان المسلم يدخلها للعبادة فمن حق غير المسلم أن يزورها للسياحة أيضاً !

حقوقي عربي أخبرني في السعودية أثناء المعرض الدولي للكتاب عام 2013، أنه مادام لم ير العشاق في الحدائق العامة والفنادق وأروقة المعارض وهم يتبادلون القبلات على مرأى الناس ولا أحد يتعرض لهم، فإن السعودية تنتهك حقوق المرأة وتعتدي على الحريات العامة، ووجب ملاحقتها في كل المحافل الدولية !

ما صرت أراه يجري في المجال الحقوقي هو مؤسف للغاية، لأنه يتعامل بازدواجية في المعايير والمنطلقات ويكيل بمكيالين مع قضايا الشعوب الحقوقية والإغاثية والإنسانية، ووصل الأمر إلى حدّ التحرك وفق ما يمليه البعد الإيديولوجي للقوى الكبرى فقط وليس بما يفرضه القانون الدولي على الجميع بلا استثناء.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى