«قُم للمعلمِ وفّهِ التبجيلا كاد المعلمُ أن يكونَ رسولا.. أعَلِمتَ أشرفَ أو أجل من الذي يبني ويُنشئُ أنفسًا وعقولا» هكذا تحدث الشاعر أحمد شوقي عن المعلم وقيمته، التي لا يدركها الكثير منا في الوقت الحالي، أو ربما لا يدركها المسئولون أيضًا، الذي يستبيحون إهانتهم، وبعد ذلك يتساءلون عن سر اختفاء القيم والأخلاق.
انتابتني حالة من الذعر عندما شاهدت الدكتور أيمن مختار، محافظ الدقهلية، يتعمد إهانة مديرة مدرسة عمر مكرم الابتدائية بمدينة دكرنس علنًا أمام الكاميرات بسبب عدم نظافة المدرسة، وعدم تلميع زجاج الشبابيك، دون أن يفكر للحظة واحدة ليدرك السبب الحقيقي وراء هذا الإهمال.
أصرّ المحافظ على الاستمرار في تعنيف المعلمة الفاضلة دون أن يمنحها الفرصة للحديث أو الدفاع عن نفسها، وظل يلقنها درسًا في كيفية تنظيف وتلميع الشباك، وكأنها مهمتها الأساسية، ثم أجبرها على خلع أحدها أمام الكاميرات أيضًا، ليخبرها أنها مديرة فاشلة ولا تستحق المنصب!
هل تعلم سيدي المحافظ أنه من مهامك توفير عمال نظافة للمدارس وبقية المنشآت والشوارع الموجودة داخل المحافظة؟ فأين كنت والمعلمين يجمعّون من رواتبهم الهزيلة ليوفروا راتب عامل النظافة؟! أم أننا لا زلنا نسير بسياسة «كفش الفداء» فتلك المديرة لا حيلة لها سوى الصمت والرضاء بقرار عزلها.
وإن كانت قد أخطأت حقًا وارتكبت ما يستوجب العقاب، فعليك فعل ذلك دون توجيه أي إهانة لأحد؛ حرصًا على سلامة النفس البشرية وحفاظًا على هيبة المعلم، فكيف الحال يا سيدي المحافظ عندما يشاهد هذا الفيديو الطلاب؟ ألا تظن أنهم قد يتخذونك قدوة ويستبيحون إهانة المعلم والتجرؤ عليه؟!
من يريد الإصلاح حقًا عليه البدء بنفسه ومحاسبتها وتهذيبها قبل تنصيب المحاكم لغيره، واستباحة مشاعرهم وكرامتهم أمام الكاميرات، من أجل «شو إعلامي» حتى يصفق له الجميع، ويروه مشهدًا بطوليًا، ولكننا تعلّمنا أن من يكسر الخواطر لن يستطيع أن يشعر بغيره من البشر، فكيف يكون مسئول عن أرواح لا يحسّ بمعاناتهم وآلامهم.
الأكثر غرابة هو موقف وزارة التربية والتعليم التي كثيرًا ما تحدث عن خطتها لإعادة هيبة المعلم، وتحسين أوضاعه، ولكنها في هذا الوقف قررت التزام الصمت، حتى خرج علينا الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، ليوجه الشكر لمحافظ الدقهلية! فليته لم يخرج.
كيف تستقيم الأمور ونحن لا نهتم بأبسط حقوق هذا المربي الذي ينشئ النفوس والعقول إنسانيًا؟! كيف لإنسان انتزعت منه إنسانيته وكرامته أن يخرج جيلًا سويًا يسعى للبناء والإصلاح؟ استقيموا يرحمكم الله، وأعطوا كل ذي حق حقه قبل أن تطالبوه بواجباته.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولي