السادس من أكتوبر يوم له تاريخ ممتد فى ذاكرة المصريين والأمة العربية، ليس فقط لأنه يوم استرداد الأرض والعزة والكرامة، أو لأنه يوم التضامن العربى بكل معانيه الحقيقية، أو لأنه يوم سقوط إسرائيل وجيشها.. ولكن بالإضافة لكل هذا كان يوم عودة الروح والتلاحم وتعميق الانتماء والشعور الوطنى لدى جميع المصريين، كما كان السادس من أكتوبر عام 1973 هو اليوم الذى غير كل استراتيجيات الحروب بعد أن شكل صدمة كبرى لـأمريكا ودول الغرب التى فوجئت بأن أسلحتها المتطورة انهارت أمام بسالة المقاتل المصرى، وإن وحدة الإرادة العربية تشكل قوة عظمى أمام التكتلات العسكرية والاقتصادية.. إن معجزة أكتوبر كانت فى المقاتل المصرى الذى تملكته روح الانتصار مع بداية المعركة إلى حد أنه اجتاز خط بارليف مترجلاً وحاملاً مدفعًا فوق ظهره وآخر يبيد عشرات الدبابات بسلاح الآ ربى جى، بينما نسور الجو يبدعون بطائراتهم فى مواجهة أحدث الطائرات الأمريكية، ليسجل الجيش المصرى ملحمة عسكرية لم يعرفها التاريخ من قبل.
روح أكتوبر العظيم تملكت الشعب المصرى بأسره، لا فرق بين مقاتل على الجبهة وعامل فى موقع آخر.. ففى هذا اليوم مازلت أذكر حالة التضامن والتماسك التى عاشها المصريون، رغم أننى كنت فى المرحلة الابتدائية وانصرفنا فى هذا اليوم من المدرسة قبل الموعد بساعة لنفاجأ بتجمع المواطنين حوال الراديو للاستماع إلى بيان القوات المسلحة وهم يكبرون، وبمجرد وصولى إلى المنزل كان والدى ووالدتى رحمهما الله يتباعان أيضًا البيانات وأخبار المعركة دقيقة بدقيقة خاصة أن لى شقيقين بالمعركة أحدهما ضابط احتياط والآخر عامل، ومع توالى البيانات والانتصار العظيم كان يسجد والدى لله.. ثم بدأت تتوالى جثامين بعض شهدائنا الأبطال، وكنا كصبية نقوم بأدوارنا بالتكبير والهتاف للشهداء، كما كنا نحمل ليلاً ـ كلوبات ـ الإضاءة بالمقابر أثناء توديع الشهداء، وبعد أن دانت المعركة لمصر وحققت انتصارها الساحق وأكدت أن جنودها بحق هم خير أجناد الأرض، ومع وقف إطلاق النار بدأت عودة الأبطال واحدًا تلو الآخر وكانوا يتوجهون أولاً إلى أسر زملائهم الشهداء، ثم يحملون على الأعناق والهتاف بحياتهم وباسم مصر والرئيس البطل محمد أنور السادات رحمه الله، وكنا نجلس مع الأبطال لا فرق بين جندى وضابط لنسمع إلى حكايات المعركة وأساطير البطولات التى حققوها بشغف شديد وفخر أشد.
روح أكتوبر التى شكلت وعى جيل كامل من المصريين ورسخت معنى وقيمة وقدسية الوطن حتى وإن جنت عليه أحيانًا الظروف المعيشية إلا أنه يبقى حريصًا على وطنه مقدسًا ترابه وليس أدل على ذلك من ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيه عندما خرج عن بكرة أبيه رافضًا اختطاف الوطن أو الاعتداء عليه بعد أن أيقن أن جماعة الإخوان تستدعى التدخلات الأجنبية وتستقوى بالخارج على حساب الوطن، ولم تفلح كل الإغراءات أو مليارات الدولارات التى تضخ من قطر وأمريكا وتركيا، ولا الحرب والتوجيه الإعلامى فى إثناء المصريين فى حماية وطنهم، خاصة أن الجميع كان على يقين أن روح اكتوبر العظيم هى التى تسود المؤسسة العسكرية فى قراراتها وتوجهاتها نحو حماية إرادة المصريين والحفاظ على قدسية الوطن ومقدراته وهو أمر أدهش العالم بأسره، ليس فقط بسبب الحشود البشرية وعشرات الملايين التى خرجت تلفظ الجماعة وأهدافها، ولكن لتفرد العلاقة وحالة التلاحم بين الشعب والمؤسسة العسكرية.
إن روح اكتوبر العظيم هى ذات الروح التى علت فى الثلاثين من يونيه وسادت جموع المصريين إعلاء وتأكيدًا على تمسك المصريين بمشروع الدولة الوطنية المصرية المعروفة بحدودها الثابتة ومؤسساتها الوطنية وهويتها الراسخة التى تشكلت عبر عقود طويلة من الزمن وبكل تنوعها العرقى والدينى والثقافى والفكرى دون تمييز أو إقصاء لإحدى شرائحها، وهو أمر جعل الجميع ينصهر تحت مظلة العلم المصرى إعلاء للوطن وتأكيدًا على مشروع الدولة الوطنية الذى يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ ست سنوات بهدف نقل مصر إلى الحداثة والنمو والتحضر واحتلال مكانها بين الأمم اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، حتى تعود دولة مؤثرة فى محيطها الإقليمى والدولى، وقادرة على حماية أمنها القومى ومصالحها الاستراتيجية أينما وجدت.
تحية لكل شهداء وأبطال الوطن.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية