قبل عدة أيام، قام أعضاء مجلس الشيوخ، المجلس البرلماني، الجديد دستوريًا، باستخراج بطاقات عضوية المجلس رسميًا، وهي أول إجراءات تنفيذ مهام عضو المجلس، لنبدأ عهدًا برلمانيًا جديدًا يتضمن غرفتين للتشريع، هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
وكانت قمة سعادتي أنني أصبحت نائبًا برلمانيًا لأول مرة بعد 32 عامًا من ممارسة العمل السياسي، والذي بدأته من مقر حزب الوفد القديم بالمنيرة، وكان عمري لا يتجاوز 20 عامًا بالتمام والكمال، وكنت حينها طالبًا جامعيًا، وكادرًا طلابيًا، ثم أصبحت عضوًا باللجنة الثقافية باتحاد طلاب كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم رئيسًا للجنة الطلبة الوفديين بجامعة القاهرة، ثم سكرتيرًا عامًا لشباب الوفد بالجيزة، ثم انخرطت وتدرجت تنظيميًا داخل لجان حزب الوفد حتى أصبحت عضوًا بالهيئة العليا، وسكرتيرًا عامًا مساعدًا.
وغيرها من المواقع التي جعلتني منشغلًا عن السعي لدخول البرلمان نائبًا، ولكن على أية حال هذا موقع جديد لخدمة الوطن، ومن يشغله مُكلف بأعباء، فهو ليس تكريمًا ولا تشريفًا ولكنه موضع قدم لخدمة البلاد التي تحتاج إلى خدمة العقول لها بأفكار جديدة تخرج بنا من عنق الزجاجة إلى مساحة الأرض الشاسعة التي نحتاجها للتنمية والتطوير والاستعداد لمواجهة التحديات الكبيرة المفروضة على المنطقة.
مجلس الشيوخ طبقًا لقانون تأسيسه والعمل به، له مهام محددة، فهو ليس كما ينظر إليه البعض باعتباره مصدرًا للحصانة البرلمانية فحسب، هذه الحصانة هي أداة لحماية أعضائه ولكنها ليست هدفًا، فالهدف من تأسيس المجلس وتكوينه ووسائل وأدوات عمله هو تحقيق «غاية مهمة» من وجهة نظري ملخصها كلمة واحدة هي «التنمية»، فالهدف الأساسي والرئيسي من عمل مجلس الشيوخ يجب أن يكون في اتجاه «التنمية الاقتصادية والاجتماعية» وهى حاجة مصر المُلحة خلال السنوات الخمس القادمة.
ومن وجهة نظري المتواضعة إن مجلس الشيوخ سيكون معاونًا رئيسيًا لرئيس الجمهورية خلال عمله لتحقيق هذا الهدف وتلك الغاية التي تحتاج إلى جهد وعمل وبحث، ولذلك أعتقد أن تعيين مائة شخصية من عقول مصر بواسطة الرئيس، من بينهم المتخصصون في هذا المجال سوف يساعد المجلس على تحقيق الهدف.
ورغم أن المادة الثامنة من قانون المجلس تنص على مهام متعددة فإنني أرى أن الهدف الرئيسي للمجلس هو المساهمة في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالنص الصريح يؤكد أنه يؤخذ رأى مجلس الشيوخ فيما يأتي: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية.
وبقراءة سريعة للاختصاصات سنكتشف انها جميعًا متعلقة بإبداء الرأي، سواء في تعديل الدستور، أو معاهدات الصلح والتحالف وغيرها.. وحتى مناقشة القوانين وموضوعات السياسة العامة للدولة وسياستها العربية والخارجية جميعها مرتبطة بقناعات العضو الفكرية والأيدلوجية، ولا أعتقد أن الفوارق كبيرة بين أعضاء المجلس في هذا المجال، وخاصة ما يتعلق بالمصالح العليا للبلاد.. إلا أن هناك اختصاصا واحدا لا يحتاج لطرح الرأي فقط، ولكنه يحتاج إلى البحث والدراسة، فهو يحتاج إلى دراسة الواقع الحالي وبحث المأمول من خطة التنمية، ونتائجها وتأثيراتها على المواطنين سلبًا وإيجابًا، ومدى قدرتنا على تحقيقها بمشاركة المواطن الذى يجب أن يتحول إلى مُشارك ومُساهم في خطط التنمية، وهى المشاركة التي نجحت بواسطتها مشروعات التنمية في الصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وعدد من الدول التي تمتلك مشروعات وتجارب ناجحة في هذا المجال، وهذه المشاركة تحتاج إلى طرح إعلامي واضح مرتبط بهذه الخطط وشراكة المواطن فيها ومسئوليته عن نجاحها.
ومازلت عند رأيي الخاص، والذي أعلنته عدة مرات خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، وهو أن مجلس الشيوخ يجب أن يتحول لـ«مؤسسة برلمانية لها دور مباشر في معاونة رئيس الجمهورية خلال أداء مهامه في مجالات التنمية»، وأعتقد أن اختصاصات المجلس تسمح بأداء هذا الدور دون الخروج عن مسار المجلس، كما أن وجود شخصيات متخصصة سوف يجعل التنفيذ يتحقق بكفاءة، خاصة وأن القانون ينص على توجيه صريح وهو «يجب على مجلس الشيوخ أن يبلغ رئيس الجمهورية ومجلس النواب برأيه في هذه الأمور على النحو الذى تنظمه اللائحة الداخلية للمجلس».
هذا المجلس الذي سيبدأ إجراءات تشكيل هيئته التنفيذية ولجانه وجلساته في بدايات الشهر القادم أمامه فرصة تاريخية لإثبات عكس ما وجه له من انتقادات وهجوم باعتباره مجلسًا هامشيًا لا دور له ولا صلاحيات، وأمامه فرصة واضحة لكى يؤدى دوره الوطني تنفيذًا لاختصاصاته المنصوص عليها في القانون، من خلال إنتاج أفكار جديدة ومبتكرة لخدمة البلاد في تحقيق أهدافها القومية.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية