16/9/1982 ، كنتُ أسكن حيَّ المنشية في برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية من بيروت، قضيتُ مع غيريَ كلَّ تلك الليلة، نرقب بقلق وخوف وتوجس ورعب، السماء المضاءة بالكامل وباستمرار بقنابل التنوير ، بدءا من مستديرة المطار، صعودا إلى مستديرة السفارة الكويتية والمدينة الرياضية، حتى أرض جلول ومحطة الدنا، وتضم منطقة الحرش، صبرا ، شاتيلا والمدينة الرياضية. وهي منطقة مكتظة بسكانها من الفقراء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين .
في الصباح الباكر ، إندفعت جموع غفيرة الى تلك المنطقة، لتعرف ما كان يجري طيلة الليل هناك. كنتُ والمناضلة أم أنور حرم صديقي وجاري الطيب الشهيد العميد أحمد أبو طير – أبو أنور من أوائل المبكرين جدا في الوصول. يا لهول ما رأينا، كان الواقع أبشع من كل وصف. مجزرة جماعية لالاف المدنيين المذبوحين بكل ما قد يخطر في البال من أدوات قتل وتعذيب وتنكيل وهول. لم يتسع عجزنا الغاضب إلا لبكاء المقهورين وتمتماتهم .
كُلِّفتُ بإجراء تحقيق مسحي أوَّليّ للمجزرة. إستعنت بفريق عمل ميداني، إنتقيته آنذاك من بين طالباتي وطلبتي في جامعة بيروت العربية، وجامعة الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية. أجرينا خلال اسبوع ، مسحا معمقا وجمعنا شهادات حية من الناجين، وُثِّقَتْ على 55 شريط تسجيل . نشرتُ خلاصتها في مجلة شؤون فلسطينية الصادرة عن مركز الابحاث الفلسطيني في بيروت. رسم التقرير مسار المجزرة وتفاصيلها، وخلص إلى أن المجرمين كانوا خليطا من القوات اللبنانية، بقيادة شخص يسمى ايلي حبيقة .
المواقيت التالية تكشف الكثير لمن يريد ان يتبصر :
♦ صباح 6/6/1982 ، اجتاح العدو الصهيوني لبنان، غازيا بجنازير دباباته ومائة الف من قوات النخبة لديه ،لأقتلاع الوجود العسكري الفلسطيني من لبنان ، تمهيدا لفرض حلوله .
♦ 23/8/1982 ، الأمريكان والصهاينة يفرضون العنصري الطائفي المقيت، بشير الجميل رئيسا للبنان، ليساعدهم في تصفية الوجود المدني الفلسطيني في لبنان .
♦ 30/8/1982 ، بعد 83 يوما من الصمود الأسطوري في مواجهة الألة العسكرية الصهيونية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن أذنابها المحليين ومن بعض الانظمة العربية المتصهينة، يغادر بحرا وبرا، عرفات وقوات الثورة الفلسطينية الى المنافي من جديد .
♦ 4/9/1982 ، يسيطر الجيش اللبناني على غرب بيروت بالكامل.
♦ 10/9/1982، تغادر قوات حفظ السلام الدولية لبنان .
♦ 14/9/1982 ، لأنه باع لبنان لإسرائيل، تم اغتيال بشير الجميل في مكتبه في الاشرفية في بيروت وهو بين انصاره ومحازبيه .
♦ مساء 16/9/1982 حتى صباح 17/9/1982 ، تم ذبح آلاف المدنيين العزل من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين القاطنين في الحرش ومخيمي صبرا وشاتيلا في واحدة من أبشع وصمات العار المعاصرة .
أيها العرب الأحرار، المقاومون والممانعون، لتبقوا جِبالا لا يهزها ريح ، إعلموا أنَّ :
♦ عدوكم لم يعد بحاجة لشياطين ولا لأبالسة .
♦ الحق بالسيف يُؤخذ كاملاً غير منقوص ولا مشروط ولا متصهين .
♦ وأنه لا خير في أمة ليس بيدها سيفٌ مُشْهَرٌ .
لتبقوا أحرارا ، كفكفوا دموعكم ، ما عاد الرثاء ينفعكم ، ولا البكاء ولا العويل . هيا إضربوا بدمكم منظومة اعدائكم . فالسيف على مدار الحياة أصدق إنباءً من الكتب .
رحم الله كل شهداء أمة العرب أينما كانوا ، ألمجد والغار لأحرار الامة للممانعين والمقاومين . العار كل العار ، للمتخاذلين والمفرطين والمتواطئين أينما كانوا ومهما تسَمَّوا .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية