نون ـ القاهرة
عقد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مؤتمرا صحفيا، اليوم الأربعاء، لتوضيح أبعاد قضية البناء العشوائي المخالف في المدن والقرى أمام المواطنين، وما يخص تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء.
وحضر الاجتماع كل من وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي، ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية،الدكتور عاصم الجزار، ووزير إعلام الدولة، أسامة هيكل، ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي، السيد القصير.
وأوضح رئيس مجلس الوزراء أن ظاهرة البناء غير المخطط، بدأت في مصر منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وكانت نتيجة لتزايد النمو السكاني الكبير، وعدم القدرة الاقتصادية للدولة خلال هذه الفترة على توفير البديل المناسب من السكن والأراضي للمواطنين، وهو ما دعا المواطنين في هذه المرحلة إلى البناء بشكل عشوائي وغير المخطط من قبل الدولة.
وقال: “إن أغلب هذا البناء تم على الأراضي الزراعية التي كانت تحيط بالمدن القائمة، أو موجودة داخل القرى المصرية، والظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد في هذه المرحلة دعت الدولة تغض الطرف عن هذه التصرفات التي تحدث من قبل المواطنين”.
وأضاف: ” إن البناء العشوائي أو غير المخطط يمثل نحو 50% من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية، واعتباراً من منتصف الثمانينيات حتى عام 2015، وصلت نسبة النمو العشوائي في بعض الأحيان إلى أكثر من 70% من حجم البناء الذي يتم، وهو الوضع الذي أدى إلى ظهور حجم هائل من المشكلات والتحديات، التي نلمسها على أرض الواقع كدولة ومواطنين.”
وأكمل: “إن القرى عبارة عن تجمعات سكنية صغيرة تخدم الرقعة الزراعية الكبيرة التي كانت تتمتع بها مصر، لتأمين مصادر الغذاء لكل المصريين، مضيفاً أن هذه الرقعة الزراعية شهدت زحفا عمرانيا بشكل عشوائي غير مخطط على الإطلاق، وغير متدرج للبناء أي نمو متبعثر، فضلا عن انتشار “العِزب” والتوابع للقرى غير المرتبطة بالكتلة السكنية”.
وأكد مدبولي أنه اعتباراً من عام 1980 حتى الآن فقدنا 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية، 90 ألف منها خلال الفترة من 2011 حتى الآن، وهو ما يُعد كارثة حقيقية، نظرا لفقدان مصدر من مصادر الغذاء للمصريين، إلى جانب فقدان العديد من فرص العمل التي كانت مرتبطة بالنشاط الزراعي.
واستكمل: “تتكلف الدولة ما يتراوح بين 150 إلى 200 ألف جنيه لاستصلاح مساحة فدان في الأرض الصحراوية، أي أنه لا بد من إنفاق نحو 18 مليار جنيه لتعويض الـ 90 ألف فدان المهدرة من الأراضي الزراعية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لن يتم تعويض هذه الآلاف من الفدادين، التي فقدناها، بين عشية وضحاها”.
وأضاف رئيس الوزراء : “الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بفقدان الرقعة الزراعية والبناء عليها بشكل عشوائي؛ فبمجرد تواجد الأهالي في هذه التجمعات غير المخططة والعشوائية يقومون بطلب مد المرافق من شبكات صرف صحي وخدمات أساسية، ومدارس، ووحدات صحية وغيرها”.
واستطرد:” الدولة تلهث وراء هذه الأماكن العشوائية لتوفير كافة المرافق والخدمات لها، مشيرا إلى أن ذلك يؤدي إلى انتزاع ملكية أراض زراعية أخرى لإقامة محطة للصرف الصحي، أو مياه الشرب، أو إنشاء مدارس لتعليم أبنائهم”.
أخبار ذات صلة:
-
برلمانى مصري: ضوابط قانون التصالح في مخالفات البناء لا يمكن التنازل عنها
-
برلمانية مصرية تنتصر لأصحاب الشقق وتطالب بإلزام أصحاب العقارات بالدفع
-
رئيس البرلمان المصري مهاجما نظام مبارك: الفساد كان للركب
-
محافظ القاهرة لأصحاب مخالفات البناء: الدفع أو الإزالة
وأوضح رئيس مجلس الوزراء أنه في ظل ما وصلنا إليه من شكل غير حضاري لكتل سكنية غير منظمة ومتناثرة، كان لابد من وقفة حاسمة من جانب الدولة، للحفاظ على المظهر الحضاري لدولة عريقة؛ فمع كل الجهود التي تُبذل في إطار حجم الإنفاق الهائل على المشروعات التي تم تنفيذها خلال السنوات الخمس الماضية.
وأوضح أنه منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي كان للدولة وقفة، وصدرت آنذاك عدة قرارات من الحاكم العسكري بتجريم البناء على الأرض الزراعية، واتخذت الدولة في هذه المرحلة مجموعة من الإجراءات الرادعة كان من بينها عدم توصيل المرافق، والهدم، إلا أن كل هذه الإجراءات لم تؤت ثمارها في إنهاء هذا الوضع.
وأضاف : “منذ 2008 قمنا بعمل أحوزة عمرانية لكل المدن والقرى ولكل التوابع في الدولة، وأضفنا بالفعل 160 ألف فدان تم استقطاعها من الرقعة الزراعية لاستيعاب الزيادة السكانية لمدة 20 عاما أي حتى 2030، فالفدان يمكن أن يستوعب 150 فردا، أي 24 مليون نسمة، وذلك جنبا إلى جنب التوسع في إنشاء جيل جديد من المدن الجديدة، لاستيعاب الزيادة السكانية.”
واستكمل:” لم يلتزم أحد بهذه التوسعات في الأحوزة العمرانية؛ فالمواطن يرغب، وفق ما تشكلت لديه من ثقافة، في البناء على ما يملكه من أرض، بغض النظر عن أنها تدخل ضمن هذا الحيز العمراني أم لا، وأصبح هذا الحيز ليس حلا سحريا للظاهرة، رغم أنه لم يتم إشغال سوى 20 أو 30 % من الحيز العمراني.”
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه نتيجة للجهد المشترك التي تم بالتعاون مع مجلس النواب في هذا الصدد، ظهر قانون التصالح على مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، مضيفاً أن هذا القانون جاء لإجراء تصالح للمخالفات الخاصة بقانون البناء رقم 119 لسنة 2008.
وأوضح أن القانون رقم 119 ينص صراحة على عدم التصالح مع أية مخالفة، وأن الحل الوحيد هو الإزالة، لكن في ضوء ما شهدته الفترة التي أعقبت ثورة يناير 2011 من تزايد مضطرد في عدد المباني غير المخططة والعشوائية، استوجب ذلك ضرورة وضع حل تشريعي، وهو ما صدر في عام 2019.
وأشار إلى أن عدد الطلبات التي تم تقديمها للتصالح ليس متوافقا مع أعداد المخالفات الموجودة؛ لأننا نعلم جيدا أن المخالفات الموجودة على الأرض بالطبع تفوق ما تم تقديمه من طلبات، وهو ما دعا الدولة لبحث وجود مشكلات تطبيقية في القانون.
وأكد مدبولي أن قانون التصالح ليس إجراء عقابيا، ولكن بالعكس تماما يخدم المواطنين الذين استثمروا جزءا من أموالهم وثرواتهم في إنشاء عقارات على الأراضي، لافتا إلى أن التصالح له فوائد كثيرة مهمة للغاية تعود على المواطن، فالعقار بمجرد التصالح عليه يأخذ صفة الرسمية، وبالتالي أصبح حقا على الدولة أن تقوم بإدخال المرافق له بصورة رسمية وغير ملتوية.
وأوضح ي أن الحكومة تسعى لوقف المزيد من النمو العشوائي ونغلق ملف التصالح وتقنين الأوضاع، ومن أجل ذلك نص القانون صراحة على تحديد 6 شهور من أجل إنهاء هذا الجدل، يقوم خلالها المواطنون بالإسراع في تقديم طلبات التصالح.
وطالب رئئيس الوزراء المواطنين بالإسراع في تقديم الطلبات حتى نغلق جميعا دولة ومواطنين هذا الملف الذي تعاني منه مصر من أكثر من 40 عاما.
وبين أن المحافظات لم تحدد أسعار الأراضي بطريقة جزافية، لكنه طبقا للقانون يوجد لجنة مُشكلة، يشارك فيها العديد من الجهات في الدولة وتضم أيضا خبراء تقييم تضع هذه الأسعار، ورغم ذلك، وفي ضوء تكرار هذه الشكاوى تم توجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي وأن نراجع بأنفسنا تقديرات الأسعار الأولية التي تخرج عن هذه اللجان.
وأشار إلى احتمالية وجود مناطق شديدة التميز من الناحية الجغرافية ولكن أوضاع أهالينا من القاطنين بها هي أوضاع بسيطة وربما لن يستطيعوا دفع القيم الأولية للتصالح، ومن أجل ذلك “أكرر مرة ثانية كان التوجيه للسادة المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي”، ونتيجة لذلك، حدث تخفيض للقيم في العديد من المحافظات بنسب تتراوح من 10-55% من القيم التي كانت اللجان حددتها في السابق.
وتناول رئيس الوزراء خلال المؤتمر الجدل الذي أثير حول من هو المسئول عن تسديد قيم التصالح، هل هو صاحب العقار (من أنشأه) أم شاغل هذا العقار، قائلا: لكي نضع الموضوع في إطار واضح، نعلم جميعا أنه في الريف من يبني العقار هو من يشغله أو أولاده، وفي هذه الحالة، يعتبر هو المالك والشاغل وبالتالي هو من يتقدم بطلب التصالح.
وتابع: “كذلك الحال في المدن الجديدة يكون المالك هو الشاغل، حتى في حالة بيعه لعدد من الوحدات داخل العقار الذي يملكه فإنه يكون معروفا، وهذا الكلام أيضا ينطبق على ملاك العقارات في المدن القائمة، وهم معلومون أيضا، مؤكدا أن القانون يلزم صاحب الرخصة بسداد رسوم التصالح.”
وأبدى الدكتور مصطفى مدبولي أسفه لوجود عقارات في بعض المدن الكبرى تم بناؤها من بعض ضعاف النفوس بأسماء مستعارة فيما يعرف بـ “الكاحول”، وأصبح اليوم المالك الأصلي مجهولا حتى إن كان معلوما، إلا أنه متعنت في السداد، وفي تعامله مع هذا الأمر أشار القانون إلى أن شاغلي الوحدات في هذا النوع من العقارات منفردين أو مجتمعين لهم أن يتقدموا لتقنين الأوضاع المخالفة القائمة، وفي هذه الحالة رأينا بعض الحالات التي ترفض التقدم للتصالح، وهم بذلك يفقدون فرصة ذهبية لتعظيم قيمة الوحدة السكنية التي يقطنون بها، التي ستتضاعف قيمتها بعد بضع سنوات.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي أنه في إطار السعي نحو تطبيق القانون ووقف نزيف مخالفات البناء العشوائي تم توجيه كل الإدارات المحلية وأجهزة المدن الجديدة باستلام كافة الطلبات التي يتقدم بها المواطن بغض النظر عما إذا كانت المستندات مكتملة أم لا.
واستطرد: “بمجرد تقديم الطلب سيتسلم المواطن “نموذج 3″ والذي يرجع أهميته إلى أنه بمجرد حصول المواطن عليه، سيتم وقف جميع الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد المخالفة من إجراءات هدم، وحتى الأحكام سيتم تجميدها لحين إجراءات التصالح، مع إعطاء المواطن فترة بعدها لمدة شهرين لاستكمال أوراقه”.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه تم التشديد على جميع الإدارات المحلية على أنه بمجرد استلام المواطن نموذج رقم “3”، يتم إعلام كل الجهات التنفيذية بضرورة عدم التدخل والتعامل مع العقار الذي صدر في شأنه هذا النموذج، وكذا إيقاف وتجميد الأحكام الخاصة به، لحين البت في التصالح وإجراءات عملية التقنين، وذلك تأمينا للمواطنين.
وشدد رئيس الوزراء على أن الدولة لا تهدم المباني والمنشآت المشغولة بالمواطنين، وأن ما تم هدمه هي مبان خالية، وتعديات كانت صارخة خارج نطاق أماكن التصالح، لوقف تفاقم هذه الظاهرة التي عانت منها مصر طويلا، وستظل تعاني بهذا الوضع، مؤكداً أن الدولة ستواجه بكل حسم وحزم أية محاولات جديدة لبناء عشوائي وغير قانوني أو غير رسمي على أراض زراعية أو أملاك دولة.
وقال رئيس الوزراء: نسرع في إصدار الاشتراطات الخاصة بكل المدن خلال فترة ستة أشهر؛ حتى تكون الاشتراطات الخاصة بالبناء في الأراضي الموجودة بالمدن القائمة والعمران القائم واضحة وكذلك الاستخدامات لتلك الأراضي.
وأكد أن الرخصة ستكون بمثابة عقد مشترك بين المواطن والدولة ينص على أن المواطن له حقوق وعليه واجبات، وأنه ملتزم بشكل كامل بهذه الاشتراطات، وفي حالة ارتكاب أية مخالفة ستتخذ الدولة كافة الإجراءات لمواجهتها.
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية