مشهد الزحام على محطات البنزين عشية تطبيق الأسعار الجديدة للمحروقات كان لافتاً جداً، وكأن كل هؤلاء الواقفين في الطوابير قد سمعوا للتوّ عن تحرير الأسعار مع أن الموضوع كان حديث الإعلام والمجالس والمنتديات منذ أكثر من عشرة أيام تقريباً، لكن الأكثر غرابة، كانت تلك الصور التي وزعت- إن صحت تلك الصور- لأشخاص يقومون بتعبئة عبوات إضافية من البنزين كنوع من الاحتياط، فهل يجوز ذلك؟ وهل حدث ذلك فعلا؟ اعتبر الصور التي وزعت لرجال يعبئون بنزيناً احتياطياً نوعاً من السخرية المرة، للتدليل على شعور البعض بالورطة المادية إزاء تطبيق أسعار البترول المحررة، ما جعل البعض يفكر بهذا الحل الغريب، بينما فكر البعض أن يذهب للتعبئة مرة واحدة أسبوعياً في أقرب محطة بترول عمانية!!
لا نقلل من أهمية المسألة بالنسبة للبعض، ولا نحاول أن نسخر من ظروفهم المادية أبداً، ونعلم أن هناك تفاوتات كبيرة في الأجور والرواتب بين أفراد المجتمع- ككل مجتمع-، كما نقدر ردة الفعل لدى هذا البعض الذي تعني له الـ250 درهماً شهرياً الشيء الكثير، لكننا بالمقابل علينا أن نتعلم كيف نواجه الظروف الطارئة بعقلية مغايرة عن عقلية الرعب الزائف أو الرعب المبالغ فيه، لأن تزييف الواقع يقود إلى ردات فعل غير متزنة، مبنية على تفكير عصبي وليس عقلياً، وهذا بدوره يؤدي إلى قناعات غير صحيحة، فهل يعقل أن أقود سيارتي عشرات الكيلومترات للوصول إلى محطة بترول تبيع بنزيناً أرخص؟ إن الـ 70 درهماً التي سأوفرها ستذهب سدى في الطريق ذهاباً وعودة!
بدل هذا التفكير كان يتوجب على إعلامنا أن لا يتوقف عن مناقشة القضية مراراً وتكراراً، وتقديم الموضوع من عدة زوايا، وإشراك المواطنين العاديين ضمن برامج توعية وحوار، لأن القضية لا تتلخص فقط في إيصال رسالة الحكومة بتحرير أسعار البترول، وانما الأهم توضيح وشرح أبعاد القرار وأسبابه ودوافعه ومن ثم ما سيعود على الوطن والمواطن والمقيم من خلال تطبيقه، حتى يقتنع هذا الشخص الذي سيقف في محطة الوقود وسيدفع دراهم إضافية أنه يدفع لقاء سلعة باهظة الكلفة فعلا على المستوى العالمي ، وأنه حينما كان يشتريها مسبقاً بسعر أقل فلأن الدولة كانت تدفع فرق السعر للفاتورة بالنيابة عن الجميع وبرضا كامل، اليوم وصلنا الى مرحلة نضج حضارية كافية وبإمكان الإنسان أن يدفع فاتورته لتوفر الدولة تلك المليارات لما هو أهم !
إن مواجهة حقيقة الأسعار ستضع كل واحد منا أمام مسؤولياته المجتمعية وأمام خيارات جديدة فيما يخص الكثير من سلوكه الاستهلاكي اليومي، حيث سيبدأ في التقنين والانتباه وعدم العبث، فتسعيرة الكهرباء والماء مدعومة أيضاً، ونعلم أن هناك هدراً حقيقياً في استخدام الماء والكهرباء ولو تم تحرير الأسعار لهاتين السلعتين فإن الفرد سيعرف ساعتها المعنى الحقيقي لترشيد استهلاك الطاقة!
نقلا عن صحيفة الاتحاد