مازلنا نعيش ملامح من الحرب باسم الدين، فى شكل عمليات إرهابية سواء فى سيناء أو بعض المناطق الحدودية، أو بالشائعات والحروب الإعلامية، مع كل حدث هام تمر به الدولة المصرية.. وهذا نتاج طبيعى للمرحلة التى مرت بها مصر عقب ثورة يناير، وما تلاها من أحداث أدت إلى سيطرة تيار الإسلام السياسي على الحكم بدءا من مجلس الشعب وانتهاء بمنصب رئاسة الدولة.
وقد كشفت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك عن خطورة اختلاط الدين بالسياسة واستخدامه كإحدى أدوات اللعبة السياسية، وكلنا يعلم أن الحرب بسلاح الدين لها أوجه عديدة وتصل إلى تسمم التكفير والقتل والعمليات الإرهابية، وقد خرج كثير من جماعات التكفير والإرهاب من عباءة الجماعة الأم التي استخدمت الدين في كل شعاراتها وبرامجها للوصول ألى أكبر قدر من الناس والسيطرة على عقولهم بهدف التمكين والوصول إلى السلطة.. وبطبيعة ارتباط الناس بدينهم وتغلغل الجماعة وسط شرائح كثيرة من البسطاء.. تمكنت الجماعة مع سقوط النظام بعد أيام قليلة من ثورة يناير من القفز على السلطة، وكشفت عن وجهها الحقيقي.
وبدأت بوضوح فى تديين السياسة وتسييس الدين، ورأينا كيف استخدمت المساجد ومرافق الدولة وسائل للتمكين والتأثير على السلوك الاجتماعي.. وكان واضحاً توظيف الدين بشكل أساسي في خدمة الجماعة وأهدافها، كما رأينا استخدام الدين والفتاوي لأهداف سياسية إلى حد الإسفاف والتلويث.. وعندما أيقن الشعب المصري أن كل الشعارات الدينية البراقة كانت وهمية ومسيسة وأن هذا الفصيل قد استخدم الدين كستار لمصالحه وأهدافه الداخلية واتفاقاته الخارجية، ولا يوجد لديه مساحة للمعارضة أو الرأي الآخر أو حتى الحياد، خرج الشعب لإعلان رفضه لفكرة الدولة الدينية وتيار الإسلام السياسي ليفاجأ بكتائب الإخوان المدججة بالسلاح فى وجهه، وتكشف الجماعة عن وجهها الإرهابى الذي لفظه الشعب في الثلاثين من يونيو.
أيضاَ عانت مصر من مخاطر المال السياسي.. وبنفس نظرية اختلاط الدين بالسياسة ـ تلويث للدين وافساد للسياسة ـ تأتي نظرية اختلاط المال بالسياسة ـ إفسادا لكليهما ـ وهناك قاعدة تقول إذا أردت إفساد مجتمع فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال وهو أمر قد عانت منه مصر سابقاً.. ويجب ألا نغفل أن انفجار ثورة يناير كان بسبب تزواج رأس المال بالسلطة وعملية الاحتكار السياسي التي ظهرت في أسوأ صورها فى برلمان 2010 عندما تم تهميش الحرس القديم الذي كان يجيد اللعبة السياسية، وسيطر الحرس الجديد على صنع القرار وقرر مصادرة مجلس الشعب لحساب فصيل سياسي واحد، وكان قد وصل به الغرور إلى حد تشريع القوانين لصالح أصحاب رؤوس الأموال وهو أمر من الطبيعى أن ينتج عنه كسب غير مشروع وفساد واحتكار وتحويل مؤسسات الدولة إلى مناطق نفوذ لنخبة من رجال المال السياسي وخرج نظام مبارك فى آخر سنواته عن العدالة السياسية، الأمر الذى أدى الى ثورة كلفت مصر وشعبها خسائر بمئات المليارات.
والأخطر أنها هددت كيان الدولة المصرية وفتحت الباب أمام المؤامرات والتدخلات الخارجية لولا وجود جيش وطني صلب وأجهزة تعى كل الأهداف الدنيئة لتفكيك الدولة المصرية.
إذا كنا قد تخلصنا من فصائل الإسلام السياسي والمتاجرين بالدين ونلاحق ذيولهم.. فإننا مازلنا نواجه مخاطر المال السياسي الذي كشف عن وجهه من جديد ويتصدر المشهد السياسي بصورة استفزت المواطن المصري.. بعد أن بدا واضحاً الاستقواء الذي تمارسه أحزاب ومرشحون فرضوا أنفسهم على المشهد السياسي بالمال وغيره دون خبرة أو رؤية أو فكر وعلم أو حتى قاعدة شعبية يستندون إليها، وذلك كله على حساب شرائح كثيرة تمتلك الخبرة السياسية والفكر والعلم وقدمت كل ما تملك للحفاظ على هذا الوطن وهويته ومقدراته، وترى أن مصر تتغير بشكل جذري وتنتقل نحو الحداثة والتطور بفضل ثورة التغيير والبناء على يد الرئيس عبدالفتاح السيسي في شتي مناحي الحياة.. وهو الأمر الذي يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول أسباب عودة المال السياسي وسيطرته على الأحزاب والحياة السياسية بشكل عام والحياة البرلمانية بشكل خاص في هذا الوقت تحديداً الذي تخطو فيه مصر نحو نهضة شاملة واستقرار وتلاحم اجتماعي تحسد عليه.
حمى الله مصر من المتاجرين بالسياسة.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية