الحكومة العراقية تحول سجونها إلى قنابل جرثومية لتصفية معارضيها
تحولت السجون العراقية الى نموذج عالمي للمراكز التي يتم فيها تصفية البشر جسدياً ونفسياً، بعد احتلال العراق عام 2003، يؤكد ذلك جملة تقارير تناولت بالتفصيل عمليات التعذيب الممنهج، والتصفية بدم بارد، وقد ابتكر سجانو وزارة العدل العراقية أسلوباً جديداً في تصفية المخالفين للسلطة في السجون المكتظة، من خلال نشر الأوبئة والأمراض السارية، ومنع عزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية عن الآخرين غير المصابين، بهدف تحويل السجون إلى قنابل جرثومية تقتل نزلاءها، وهو ما وثقه تقرير مشترك صدر عن المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان، ومركز بغداد لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، تحت عنوان “مرض السل أداة جديدة لتصفية المعتقلين في سجون العراق”.
أكد التقرير قيام الجهات الرسمية بتصفية المعتقلين في السجون من الرجال والنساء، عبر نشر الأمراض في ظل استمرار التعذيب، ونقص الغذاء، وانعدام أدنى مستوى من الخدمات والنظافة في أماكن الاحتجاز التي يمكن أن تصلح للعيش البشري، مطالبين بإحالة المسؤولين عن الانتهاكات إلى التحقيق وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ووزير العدل إبان حكمه، حسن الشمري.
إلا أن الأخطر من ذلك هو توجيه التقرير الاتهام لوزارة العدل العراقية بتصفية السجناء في العراق، وجعلهم عرضة لأمراض قاتلة منها التدرن الرئوى، والتدرن البريتونى، وتدرن الأمعاء، وتدرن العظام، وتدرن الخراج البارد، وعدم استجابتها لمطالبات بتطبيب النزلاء وعرضهم على الأطباء أو نقلهم إلى المستشفيات أو عزلهم عن باقي السجناء، ما تسبب بعدم استجابة المرضى للعلاج؛ لطول فترة المرض.
مهند العيساوي، مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان، قال: إن “دائرة إصلاح السجون التابعة لوزارة العدل العراقية هي المسؤولة عن الانتهاكات”، مشيراً إلى أن “المركز سجل الكثير من الحالات في سجون بغداد بجانبي الرصافة والكرخ، بالإضافة الى سجون الحلة في محافظة بابل، والناصرية ومطار بغداد”.
وأكد أن “سجون النساء تعاني هي الأخرى من تفشي الأمراض المعدية، وهناك حالات بدأت تنتقل إلى النساء المعتقلات اللواتي يرضعن أطفالهن داخل السجون؛ ما أدى إلى انتقال العدوى إلى الأطفال؛ لأن الوزارة لا تقبل بتطبيب النساء المريضات أو تهيئة أجواء مناسبة لأطفالهن للحيلولة دون إصابتهم وإنتقال العدوى لهم”.
وعن دور المركز في إعلام الجهات والمنظمات الدولية بهذه الانتهاكات أوضح العيساوي، أن “ممثلي المركز بالإضافة إلى المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان أوصلوا التقرير إلى منظمة العدل الدولية في لاهاي لكي يعرض على المسؤولين هناك، من أجل إحالة المتسببين للمحاكم المختصة، وطرح إمكانية تغيير حال وواقع السجون واستلامها والإشراف عليها من قبل منظمات دولية”، مؤكداً أن “رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ووزير العدل في حكومته حسن الشمري، هما المتسببان بجملة هذه المشاكل”.
أما السلطات الحالية، أضاف العيساوي: “فلم تقدم على أية خطوة جدية ملموسة لوقف جرائم سوء المعاملة والتعذيب والقتل خارج إطار القانون في السجون العراقية، ولم تُقدِم كذلك على اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف انتشار مرض السل القاتل في سجونها، بل أصرت على استمرار أساليبها الممنهجة التي أدت إلى انتشار المرض، وكان آخر الضحايا هو السجين “محمد منذر الشيخلي”، الذي توفي في 5 أكتوبر/ تشرين الأول، داخل معكسر الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية ببغداد بعد صراع طويل مع المرض بعد رفض إدارة السجن نقله إلى المستشفى أو توفير العلاج اللازم له أو حتى عزله عن باقي السجناء”.
ونقل مركز بغداد لحقوق الإنسان والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان عن مصادر وشهادات لعدد من موظفي السجون وأطباء في شعبة الطبابة السجنية، وشهادات سجناء ومحامين وعوائل سجناء، “سعيَ دائرة الإصلاح العراقية المشرفة على سجون وزارة العدل إلى نشر المرض القاتل في صفوف المعتقلين بالسجون التي ذكرها التقرير”، مؤكدين تعمّد الوزارة تفشّي مرض السل ورفضها الإستجابة لنداءات المنظمات الحقوقية، وإهمالها لأدنى معاملة نموذجية للسجناء التي اعتمدتها الأمم المتحدة.
وأوضح التقرير أن السلطات “تمنع السجناء من ارتداء ملابسهم الخاصة، وتجبرهم على ارتداء ملابس تعرف بـ”البدلات السجنية”، مصنوعة من أقمشة رديئة جداً يزود بها السجين أثناء الاعتقال”، مشيراً إلى أن “سوء التغذية وقلة الطعام ورداءته، وقلة مياه الشرب الصحية كانت أسباباً مباشرة لخفض المناعة الصحية لدى السجناء، في حين تواصل وزارة العدل الزج بأعداد تفوق بثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية القصوى لقاعات وزنازين الاحتجاز، ممّا أدى إلى اكتظاظها وانعدام التهوية وتعطل أجهزة التكييف، وعم توفر المرافق الصحية داخل القاعات والزنازين أدى إلى زيادة الرطوبة وتلوث الهواء وهما من أبرز أسباب انتشار الأمراض السل”.
وعن انتشار المرض في سجون النساء، ذكر التقرير، أن “أعداد السجينات المصابات بالمرض ارتفعت في سجن بغداد المركزي (سجن السايدفور ببغداد) وفي سجن الحلة المركزي بمحافظة بابل، مع إصرار وزارة العدل على عدم عزلهن جعل المرض ينتقل إلى السجينات الأخريات بالإضافة إلى أطفال بعض السجينات اللواتي يحتضن أطفالهن الرضع في السجن”.
وطالب المركز الحقوقي والمنظمة الحقوقية مجلس النواب العراقي باستجواب وزير العدل الحالي، حيدر ناطق الزاملي، ومدير دائرة الإصلاح، محمد الساعدي، والمسؤولين عن سبب الانتهاكات المتزايدة في السجون، وتشكيل لجنة حقوقية بإشراف دولي لاستلام إدارة جميع السجون العراقية، وتوفير فرق طبية متخصصة لإجراء فحوص عاجلة لجميع السجناء، وعزل من يُشك بإصابته بأي مرض عن باقي السجناء لتفادي انتشار الأمراض، وتوفير العلاج المطلوب للمرضى منهم، وتوثيق آثار التعذيب الجسدي الذي يتعرض له أغلب هؤلاء السجناء.