فاجأ منح لجنة جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار الوطني في تونس أعضاء اللجنة الرباعية وعموم الشعب التونسي على حد سواء. فالكثيرون لم يصدقوا الخبر في البداية، حيث كانوا يعتقدون أن الأمر يتعلق بخبر كاذب. غير أن ذلك لم يدم طويلا ليعم الفخر التونسيين بهذه الجائزة التي تُمنح لأول مرة في التاريخ التونسي.
وعلقت البرلمانية التونسية السابقة كريمة سويد على الحدث بتغريدة على موقع توتير قائلة: “الجائزة هي بادرة أمل في هذه الفترة الصعبة التي تمر فيها تونس من الجمود السياسي”. أما الناشطة الحقوقية فرح حشاد، رئيسة منظمة غير حكومية لمكافحة الديكتاتورية فعلقت على الجائزة بالقول: “إطلاق الحوار الوطني سمح للتونسيين بحل صراعاتهم بشكل سلمي، وحدث ذلك في وقت كان فيه كل شيئا قابلا للانهيار”.
تأزم الوضع والخروج من الطريق المسدود
ففي ذلك الوقت، وتحديدا في 25 يوليو 2013 اغتيل النائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي فعلق البرلمان جلساته، كما أن مشروع الدستور لم يكن قد انتهى بعد. وشهدت تونس حينها مظاهرات يومية تطالب باستقالة الحكومة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي.
وقادت رباعية الحوار الوطني عشر مفاوضات صعبة امتدت لشهور كوسيط بين الحكومة والمعارضة. وكان الرباعي يضم الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس. ونجحت الرباعية في النهاية في تقريب وجهات النظر. فالتغيير السلمي في تونس – التي كانت في ذلك الوقت ممزقة سياسيا – كان بالفعل حدثا سياسيا مدهشا. ولكن كان هناك حدث آخر أيضا، يتجلى في جلوس رباعية الحوار إلى جانب نقابة المحامين ورابطة حقوق الإنسان مع أرباب العمل وممثلي النقابات إلى طاولة المفاوضات، وكافحوا معا في الاتجاه نفسه، وهو تغيير سلمي في البلاد. وكان ذلك حدثا تاريخيا في حد ذاته.
تونس أمام اختبار جديد
وفي الحقيقة فتكريم رباعي الحوار بعد مرور سنتين على عمله، ينظر إليه الكثير من التونسيين كمؤشر على الرقي السياسي. فالبلاد تمر مرة أخرى خلال العام الحالي في وضع صعب. فبعد الانتخابات الحرة العام التي أجريت في العام الماضي 2014 تعرضت تونس لهجومين إرهابيين خطيرين. إذ اقتحم في شهر مارس 2015 مسلحون متحف باردو وقتلوا حوالي عشرين شخصا من السائحين فيما جُرح خمسون آخرون. أما الهجوم الثاني فحدث في أحد الفنادق بمدينة سوسة في يونيو الماضي 2015 وخلف أكثر من 60 قتيلاً معظمهم من السائحين.
إن توقفت حركة السياحة إلى تونس بسبب الأعمال الإرهابية لم يُضعف الاقتصاد التونسي لوحده، بل أثار جدلا عاطفيا حول طريقة التعامل مع الإرهابيين. وفي فصل الصيف صادق البرلمان التونسي على قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي يعطي لقوات الأمن مجالا كبيرا للتدخل. لكن نشطاء المعارضة يخشون الآن أن يكون ذلك على حساب حقوق الإنسان، وأن تتجه تونس مرة أخرى إلى نظام استبدادي.
تذكير للسياسيين بالالتزام بالخيار الديمقراطي
وبالنسبة للمجتمع المدني التونسي فحصول تونس على جائزة نوبل هو أيضا تنبيه لحكومة بلادهم. وفي هذا الصدد تقول الناشطة الحقوقية فرح حشاد محذرة: “يبدو أن حكامنا غير واعين بتحديات المستقبل. ويجب علينا أخيرا إصلاح القطاع الأمني ومحاربة الفساد”. وتضيف الناشطة التونسية: “يجب علينا ألا ننسى أنه لا يزال أمامنا طريق طويل”.
فتونس التي يُنظر إليها كمثل نموذجي ضمن الدول التي شهدت الانتفاضات العربية، لا تزال تنتظرها مراحل كثيرة في المستقبل. ففي العام المقبل 2016، ستجرى أول انتخابات محلية حرة في تاريخ البلاد، وينتظر تأسيس محكمة دستورية خلال هذا العام لضمان تنفيذ الإنجازات الديمقراطية للسنوات الماضية والالتزام بها.