أغلب العرب يسكتون عن العمليات الروسية في سوريا، وهذا أمر لافت للانتباه جدا، فالعرب عموما على صلة جيدة بواشنطن، ومواقفهم تتطابق عادة مع الولايات المتحدة. افترض كثيرون ان واشنطن ضد موسكو في عملياتها ولذلك لابد ان تشهر دول عربية موقفا سلبيا من موسكو من باب التطابق مع واشنطن، في مواقفها المعلنة على الأقل. لماذا اذاً سكتت أغلب العواصم العربية، وكأن لاشيء يحدث، فيما ذهبت بعض الدول لتأييد الروس علنا، وهذا سؤال مهم لابد من الاجابة عنه؟!. هناك عدة اعتبارات، ابرزها ان موسكو نسجت علاقات ممتازة مع دول عربية مثل: الأردن ودول الخليج ومصر ودول اخرى، اذ في ظل التراجعات الاميركية في العالم تأسست علاقات من نوع جديد مع الروس، تجعل التنديد الرسمي بهم، امرا غير وارد، وعلينا ان نلاحظ ان اغلب الدول صامتة، فلا هي مرحبة، ولا هي منددة. الاعتبار الثاني يتحدث عن رؤية استراتيجية لدى دول عربية تقول: ان على العرب ألا يتحسسوا من عمليات موسكو، لانها ستنال -نهاية المطاف- من داعش، وهذا امر مطلوب بالنسبة لهؤلاء، وحماية موسكو هنا للنظام، لاتهمهم في شيء مادامت داعش مستهدفة، حاليا او لاحقا، حتى لو قامت موسكو -ايضا- بقصف التنظيمات الأخرى، فقد بات كثيرون يعتقدون أن الأزمة السورية لا بدّ أن تنتهي، وموسكو تتولى تنظيف الجرح. اما الاعتبار الثالث وهو اخطر بكثير مما سبق، فقد سكتت اغلب العواصم العربية؛ لانها لا تريد اثارة الرأي العام عندها، ضد موسكو، ولاتريد استنساخ سيناريو الأفغنة، بحيث يتم التحشيد للجهاد في سوريا ضد روسيا، على طريقة انموذج افغانستان. العرب الرسميون هنا، اذا كانوا يشعرون في مرات ان موسكو تحمي النظام فقط، وتتدخل في ملعب لها حصريا، فهي تخشى -ايضا- من ان تأخذ موقفا سلبيا ضد الروس، وبحيث يرتد محليا في المجتمعات العربية، لحشد مزيد من المقاتلين الذين ينفرون لسوريا، للانتماء لتنظيمات اسلامية، ترفع راية الجهاد ضد الروس، فالعرب هنا بين حدي سيفين، الضيق من موسكو والحاجة اليها في ذات اللحظة، والخوف من التحريض عليها، بحيث ينمو الاتجاه الديني الذي يحاربها، فاذا كبر هذا الاتجاه، وقع الرسميون فيما لايريدون، إذ إنهم يسعون -اساسا- لمحاربة هذه الاتجاهات، لا تكبيرها وتضخيمها. على الرغم من وجود ميل في التحليلات الى ان واشنطن تريد توريط روسيا في سوريا، وإحياء سيناريو الافغنة ردا على الروس، الا ان العرب الرسميين عموما، لايحبذون سيناريو الافغنة، لانه في جانب من جوانبه، يرتد عليهم سلبا، ويعزز من ظواهر داعش والنصرة والقاعدة، وهم الذين يريدون الروس فقط لانهاء هذه التنظيمات، فكيف يحرضون شعوبهم ضدها، فيأتي الرد مزيدا من الافغنة التي لا يريدونها في المنطقة؟! يأتي الاعتبار الرابع، ويتحدث هنا عن تفاهمات سرية بين الروس والاميركان، بشأن التدخل الروسي في واشنطن، وادت التفاهمات الى هذا المشهد، اي: تدخل موسكو، لصالح النظام وضد التنظيمات، مقابل موقف اميركي وعربي ناعم، وهادئ، مرحليا على الأقل، من اجل انجاز المهمة الروسية، على اساس شبه تفاهمات حول المستقبل السياسي لسوريا، وللنظام الحاكم، والأغلب أن هذا الاعتبار يبقى ضعيفا وغير مقنع؛ لأن الروس والاميركان، لايمكن حاليا ان يلتقيا على موقف موحد في سوريا، ما لم يكن هناك شبه توافق كامل على كل ملفات المنطقة، مثلما رأينا بين الفرنسيين والبريطانيين، ذات زمن بما ادى الى سايكس بيكو، وبما نراه اليوم، عبر الروس والاميركان، ومايمكن ان يؤدي اليه الصراع بينهما في ساحات كثيرة من القرم الى سوريا، وغيرهما. لكننا نبقى في محطة السؤال…لماذا يصمت العرب على تدخلات الروس، وهم الذين لايصمتون عادة، الا عندما يتدخل الاميركان؟!. هذا هو السؤال، والاجابة العميقة في غامض الغيب.