نون والقلم

صراع على الأرض العربية بغياب العرب

لم يأت التدخل الروسي في سوريا فجأة بل بعد تمهيد طويل واستعدادات عسكرية واستخبارية في موازاة محادثات الملف النووي الإيراني.
وكان متوقعاً بعد الاتفاق النووي أن طهران وموسكو اعتبرتا الاتفاق بمثابة ضوء أخضر لإيران من قبل واشنطن لكي تواصل دورها في سوريا والعراق من دون إزعاج، وقد زار رجل إيران القوي قاسم سليماني موسكو مرتين ، إحداها عندما كان اسمه على القائمة السوداء الغربية – الأمريكية ، لكن واشنطن لم تحتج على ذلك لدى موسكو.
ولعل المراقب لتطور الأوضاع في العراق وسوريا يدرك أنه نتيجة مباشرة للاتفاق النووي الذي فهمت منه طهران إطلاقاً ليدها في المدى العراقي والسوري، والتدخل الروسي جاء ضمن تحالف إيراني – سوري -عراقي- روسي، وقد تحدث عنه الروس لدول عربية وحاولوا ضم دول أخرى إليه، بعضها أيده علناً ولم ينضم وبعضها سراً وبعضها عارضه لأنه جزء من التحالف الدولي ضد «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة. فروسيا منذ بداية أحداث ما يسمى «الربيع العربي» اتخذت موقفاً معارضاً مع تنامي التيار الديني المتطرف، وكانت تقول بعد تسليم الدول العربية واحدة بعد الأخرى لأحزاب وتيارات دينية ، فإن الغرب سينقل المعركة إلى أراضيها مع وجود قرابة 20 مليون مسلم في أراضيها.
وجهة نظر موسكو تقول إن التحالف الدولي فشل في مهمته ولم يحقق أياً من أهدافه ، وإن الجماعات الإرهابية لم تتأثر بالقصف الجوي الغربي، لأن القصف لا يستند إلى إحداثيات من الميدان على الأرض، والتحالف الدولي لا يتشاور مع دمشق التي تمتلك الإحداثيات والمعلومات الدقيقة عن انتشار «داعش»، وأبلغت موسكو دولاً عربية حدودية مع سوريا أن «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية سترتد إليها في حالة طردها من سوريا والعراق، وحاول الروس الإيحاء قبل تدخلهم لدول عربية أن تدخلهم يحظى بموافقة أمريكية – غربية، لكن تبين عدم دقة ذلك.
الآن وقد قلب التدخل الروسي في سوريا المفاهيم السائدة في الفتن والحروب الدائرة في المنطقة العربية ، يبدو أيضاً أن لا مكان للعرب في المشاورات الدولية ، كأنهم غائبون عن حرب تجري على أراضيهم ، وما يسفك فيها من دم هو دم عربي سواء كان مع أو ضد ، بمشاركة نحو مئة جنسية دولية وجيوش من عدة دول قريبة وبعيدة. والرابح الأكبر من كل هذا هو إيران التي استطاعت أن تخرج من عنق زجاجة النووي إلى فضاء جغرافي واسع في العراق وسوريا ولبنان أيضاً ، وأن حليفاً قوياً مثل روسيا يدعمها ويسلحها ويغطي جواً على عناصرها وأنصارها في سوريا الآن ولاحقاً في العراق وربما في اليمن ، طالما ظل الوضع اليمني يراوح مكانه ، وعندما تتهيأ الفرصة لإيران فإنها ستحاول التدخل هناك أيضاً.
هل هو الانكسار العربي وزهو الطاووس الإيراني؟ هو كذلك، فالدول العربية خسرت في صفقة الاتفاق النووي وكانت آخر من يعلم ، بينما كسبت «إسرائيل» عسكرياً ومالياً واستراتيجياً. فقد تشاور الروس مع نتنياهو واستدعوه إلى موسكو وطلبوا منه ألا يعرقل عملياتهم في سوريا وألا يشن غارات، كما اعتاد في السنوات الأخيرة بحجة ضرب مخازن صواريخ في طريقها لحزب الله ، وأعطوه تطمينات بأنهم سيحرصون على عدم قيام حزب الله بنقل أية أسلحة من سوريا إلى لبنان، لكن لا يمكن الركون إلى أي تعهد «إسرائيلي» بعدم شن غارات لأن حسابات «إسرائيل» تختلف عن حسابات موسكو. وكسبت إيران اعترافاً بنفوذها وتدخلها في الشؤون العراقية والسورية، فثمة غرفة مشتركة إيرانية – عراقية – روسية في بغداد وثمة غرفة مشتركة رباعية في دمشق وثمة قوات برية إيرانية تصل تباعاً إلى سوريا، فإيران تتولى خوض المعارك البرية في سوريا مع عناصر حزب الله، جنباً إلى جنب مع جيش النظام السوري.
أما تركيا فقد تم إبلاغها من قبل الروس عن التدخل العسكري خاصة أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس التركي أردوغان إلى موسكو لافتتاح مسجد موسكو الكبير. بالطبع عارضت تركيا التدخل الروسي لأنه يحبط مساعيها لإقامة منطقة آمنة في شمالي سوريا ويلجم تدخلها في الشأن السوري، لكنها لا تستطيع عمل الكثير أو الاشتباك مع المقاتلات الروسية التي تخرق مجالها الجوي، فهي لن تغامر بحجم تجاري كبير مع روسيا التي تأتي في المرتبة الثانية في التبادل التجاري معها ، وتستعد لجني أرباح من مد خط الغاز الروسي عبر أراضيها والبحر الأسود. كما أن أردوغان المقبل على انتخابات مبكرة لن يجرؤ على مغامرات عسكرية ضد روسيا بالذات حتى لو وقف معه الناتو ، لأن روسيا ليست حزب العمال الكردي. فالقطب الروسي يستكمل أركان حلفه الجديد على الأرض العربية في غياب العرب ، مثله مثل التحالف الدولي ضد «داعش».

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى