الآن لدينا مشروع سياسي مصري قومي للتمدد إقليميا في مقابل المشروع التركي والمشروع الإيراني لأن انكماش مصر وانكفاءها على ذاتها بعيدًا عن كل القضايا العربية والأفريقية لسنوات طويلة ترك فراغًا لا يغتفر مما سمح لكل القوي الإقليمية للتحرك بل وجعل دويلة مثل قطر تتحرك في دور إقليمي لتفتيت القوى العربية ذات الثقل الإقليمي وتشارك في كل تحركات الترك والفرس ضدهم.
لقد كان خطاب السيد سامح شكري وزير خارجية مصر، في جلسة مجلس الأمن حول ما يسمي سد النهضة الأثيوبي، ومن قبله ما ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن مصر لن تسكت على ما يحدث في ليبيا، وأن سرت والجفرة خط أحمر وكان هذا الخطاب وهو يتفقد فرقة مدرعة من أبناء القوات المسلحة المصرية في قاعدة سيدي براني علي الحدود المصرية الليبية و في حضور عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المنتخب و ممثلو القبائل الليبية و أكد أن مصر لديها الحق و المشروعية للدفاع عن أمنها القومي.
علي الصعيد الليبي توقف الوضع علي ما هو عليه فورًا و أصبحت سرت و الجفرة اختبارًا لكل أكاذيب أردوغان التي ظل يبثها ليلًا و نهارًا عبر الفضائيات أن تركيا سيطرت علي كل أوراق الحلول في ليبيا، وأنها ستدعم ميلشيات جبهة الوفاق حتي تسيطر علي كل التراب الليبي، و أنها لا تخشي أحد و تبجح البعض منهم أن مصر لن تستطيع أن تفعل شيئا فجاء هذا التحدي العلني الواضح فأوقف كل شيء عندهم و أصبح الخبر اليومي المتكرر لديهم أنهم مازالوا يستعدون لتحرير سرت و الجفرة علي حد زعمهم، و أسرعت أمريكا للحضور بنفسها للتهدئة في ليبيا من خلال اجتماعات قائد القوات الأمريكية بأفريقيا « الأفريكوم » بأطراف النزاع الليبي و قد أدركت أمريكا أن مصر جادة في التدخل ضد العدوان التركي علي ليبيا و هو وضع مصر في مقدمة من يسعي لحل النزاع الليبي و ليس روسيا و لا تركيا و أن أي حديث عن الحلول للحرب بين الفرقاء في ليبيا لا يجوز لأحد أن يتجاهل وجود مصر وهو ما كانت تحاول تركيا و معها روسيا تطبيقه في ليبيا مثلما قاموا به في سوريا من قبل و تقاسموا القواعد العسكرية و احتلال الأراضي فمزقوها و شردوا الملايين من السوريين في كل بقاع الأرض .
أما الخطوة الثانية التي وضحت بداية عودة مصر لدورها الإقليمي فهو خطاب وزير خارجيتها السيد سامح شكري الذي كان حديث مصر كلها عقب انتهاء جلسة مجلس الأمن بالأمم المتحدة بخصوص ما يسمي سد النهضة الأثيوبي حيث كان الخطاب المصري للعالم كله واضحًا و صريحًا أن مصر لا تستطيع إلا أن تدافع عن وجودها لأن مائة مليون مصري يعيشون علي تدفق مياه النيل فهي مسألة حياة، و أن أثيوبيا لديها فائض مائي هو الأعلى علي مستوي العالم و أن القانون الدولي نظم الحقوق و الواجبات لكل الدول المشاركة الأنهار عابرة الحدود و البحار فلا مجال لأحد أن يحاول التصرف أحاديا دون أن يحترم القوانين و المعاهدات و المواثيق الدولية .
لقد كان الخطاب المصري مستندًا الي حقوقه التاريخية و المواثيق و القانون الدولي و مصر لديها القوة للحفاظ علي حقوقها في مياه النيل و في اعتقادي أن السلوك الأثيوبي في التفاوض لمجرد التفاوض و استهلاك الوقت لبناء السد قد وصل لنهايته فأصبحت أثيوبيا أمام اختبار حقيقي لقدراتها السياسية و الدبلوماسية و العسكرية إذا أحتاج الأمر أمام مصر التي علي مدار التاريخ لم تكن دولة باغية أو معادية و لكنها تنجح في الاختبارات التي تواجهها ولهذا فهي مازالت باقية و قوية و كل من عاداها أصبح في ذاكرة التاريخ و هكذا ستصبح أثيوبيا بإذن الله .
لقد أصبح المفاوض الأثيوبي أمام أحد اختيارين إما الوصول لاتفاق ملزم يضمن الحصص المائية التاريخية لمصر و السودان طبقا للقوانين الدولية و المعاهدات المبرمة أو أن يبدأ في ملء السد و فرض الأمر الواقع و هو ما لن تقبله مصر أبدا و لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر وجودي يمس حياة مائة مليون مصري وعندها ستدرك أثيوبيا أنها لن تنجح في القضاء علي شعب مصر و لا الجيش المصري الذي حافظ علي تدفق مياه النيل لألاف السنين .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوكو تويترلمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية