نون والقلم

طارق تهامي يكتب: أعمدة الوفد

استمر الوفد وظل باقيًا حزبًا كبيرًا وقويًا، لأنه كان منذ يوم إنشائه الأول قبل مائة عام ويزيد، يقف على عدة أعمدة، تسنده، وتصعد به إلى القمة وقت المجد، وتحفظه، ليتكئ عليها وقت العواصف والصعوبات!! هذه العناصر هي المواطن المصري الوفدي الأصيل، والشاب المنتمي الذى لا يعرف سوى الوفد منهجًا، والمرأة الوفدية التي تسهم في أنشطة حزبها بوقتها الذى تقتطعه من يومها المزدحم، والوفدي الذى اعتاد على تلبية طلبات حزبه المادية والفكرية والتنظيمية ويتعرض لأية مخاطر لحماية حزبه، ولكنه لا ينتظر مقابل التضحية!

أخبار ذات صلة

إذن.. أول عناصر المساندة هو «الوفدي الأصيل» الذى دفع عمره، ويستقطع من أمواله، ووقته، وجهده ثمنًا لبقاء حزبه على قيد الحياة، فالوفدي ليست صفةً يتم اكتسابها عن طريق إجراءات إدارية، ولكنها مواقف يتم تقييمها عبر سنوات طويلة يتعرض فيها لمراقبة الكتلة الصلبة من الوفديين المنتشرة في ربوع مصر، وعملية تقييمه لا يمكن أن تخضع لبروتوكول دعاية، ولا يمكن أن تنجح أية عملية إقناع في صبغ صفة «الوفدي الأصيل» على أي شخص، لا يدفع الثمن سنين طويلة من التضحية، أو أي عضو يسعى لدفع الثمن بشرط الحصول على مقابل، فالوفد حكاية طويلة من الكفاح، والنضال السياسي، والتضحية المستمرة، وجامعة وطنية يكفى المنتمين إليها شرف الحصول على صفة الوفدي!

عندي حكايات كثيرة في إطار سرد قصص التضحية المتواصلة للوفديين، إخلاصًا للوفد وزعمائه، وقياداته، تعالوا نستعرضها.

الزعيم مصطفى النحاس، تعرض في نهاية حياته لمواقف صعبة جدًا، وكان الرجل لا يجد ثمن الدواء أحيانًا، ورغم أنه لم يعد رئيسًا للوفد، ولا رئيسًا للوزراء، كان الوفديون المخلصون يتابعونه، ويحاولون تلبية احتياجاته الحياتية، رغم أنهم أنفسهم تعرضوا للتنكيل، ومصادرة أملاكهم، ويحكى أن النحاس، قبل وفاته بعدة أشهر، تعرض للطرد من منزله، لأنه غير قادر على دفع الإيجار، نعم الزعيم مصطفى النحاس ورئيس الوزراء لعدة مرات، لم يكن يمتلك منزلًا وكان يعيش في منزل بالإيجار، وعندما تلقى إنذارًا بالطرد من أصحاب المنزل، قام بالاتصال بالأستاذ عبدالعال محمد عبدالعال المحامي (والد أيمن عبدالعال نائب رئيس الوفد السابق) وقال له عبر الهاتف: يا عبدالعال أنا جاللى إنذار بالطرد ياريت تروح لصاحبة البيت وتستسمحها تديني فرصة للسداد! طبعًا الأستاذ عبدالعال قام بالاتصال بالوفديين المخلصين، الذين يواجهون صعوبات الحياة بسبب التضييق عليهم في أعمالهم، وقاموا بتجميع ما يكفي لسداد قيمة الإيجار المتأخر، وتعهدوا بسداد قيمته فيما بعد، والغريب أن هذه الحكاية لم يستعرضها أحد في حياة النحاس، ولا حتى أثناء حياة من ساعدوه، ولكن تم تداولها بعد وفاتهم جميعًا، لأنهم كانوا مخلصين لرئيس الوفد وزعيمه بدون مقابل!

عقب عودة الوفد الثانية عام 1983 التقى فؤاد سراج الدين بالوفديين القدامى، أو أبناء العائلات الوفدية التي لم يعد كبارها على قيد الحياة، وقال لهم إن الحزب يحتاج إلى مقر لتنفيذ أعماله اليومية، كما أن الصحيفة التي تقرر إصدارها تحتاج إلى تكاليف، وكانت اجتماعات الحزب تُعقد حينها فى منزل فؤاد سراج الدين، والإعداد للصحيفة يجرى في مكتب الأستاذ عدلي المولد المنتج السينمائى الوفدي الراحل، وعندما طرح فؤاد سراج الدين الأمر على الوفديين، واجه سيلًا من التبرعات والمساهمات غير المسبوقة، وفى أحد الأيام فوجئ بأحد الوفديين، وهو لم يكن ميسور الحال، يأتي إليه في منزله، وفى يده منديلًا قماشيًا وداخله محتوى غير واضح، ووضعه أمام سراج الدين، فسأله زعيم الوفد: إيه ده؟ فقال له الوفدي المخلص: ده دهب مراتى ياباشا عايز أساهم به في تكاليف المقر! تأثر فؤاد سراج الدين بموقف «الوفدي المخلص» وشكره، ورفض الحصول على ذهب زوجته، وادعى فؤاد سراج الدين، على غير الحقيقة، أن ثمن المقر تم استكماله، حتى يستعيد الرجل ذهب زوجته!

بمناسبة عودة الوفد الثانية للحياة السياسية عندي حكاية أخرى.. يوجد في بورسعيد شارع يسمى «شارع نبيه» ولكن البورسعيدية يطلقون عليه اسم «شارع الوفد» نعم.. شعبيًا يحمل الشارع اسم الوفد بسبب قصة طريفة.. في عام 1983 حصل حزب الوفد على حكم قضائى بعودته للحياة السياسية، وإلغاء قرار الجهة الإدارية بمنع العودة، وكان يومًا تاريخيًا للوفديين، فقد تواصلوا عبر الهواتف الأرضية، ليهنئوا أنفسهم بالعودة، ولكن في شارع نبيه ببورسعيد كان يوجد «وفدى أصيل» اسمه أحمد شحاتة (والد جمال شحاتة أمين الصندوق المساعد لحزب الوفد الآن) وكان يمتلك محلًا تجاريًا في الشارع، ولكنه لم يكتف بالسعادة لعودة الوفد، فقرر كتابة لافتات قماشية، مرحبًا فيها بعودة حزب الوفد، ووضع اللافتات في مداخل الشارع ومخارجه وأمام محله التجاري، وكانت موقعة باسمه جهارًا نهارًا في زمن كان المُعارض فيه يتعرض للتنكيل والمتاعب. ورغم علمه بهذه المتاعب فإنه قرر الإعلان عن عودة الوفد في شوارع بورسعيد، ليطلق الناس على الشارع الذي يوجد فيه محل أحمد شحاتة اسم «شارع الوفد».. بالمناسبة هذا الرجل لم ينتظر أية مكاسب تنظيمية في الوفد عبر تاريخه.

الخلاصة.. أن الوفديين عظماء بمواقفهم.. بتضحياتهم.. وبالثمن الذي دفعوه وسيواصلون تقديمه لمائة عام أخرى.

tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى