- أهم الأخبارالأخبارنون والقلم

كمال بالهادي يكتب: سدّ النّهضة ذراع  أثيوبية- صهيونيّة ضدّ مصر والسودان

صحيح أن تركيا تشغل العرب حاليا بتدخلها العسكري في ليبيا وبمحاولتها بسط نفوذ أتباعها على كامل الأراضي الليبيّة، غير أنّ هناك قضيّة أخرى لا تقل خطورة من حيث آثارها الاستراتيجية، في المستقبل.  ونعني بها قضيّة سدّ النهضة الأثيوبي، وما يثيره من توجّسات ومخاوف في كل من السودان و مصر..

من حيث المبدأ قد يكون الحديث عن حق دولة أثيوبيا في مياه النيل بالقدر الذي تحصل عليه مصر والسودان، في الدّول السبع، لا يختلف فيه إثنان، فهذه الشعوب عاشت على مدى آلاف السنين، على ما يوفّره لها النهر العظيم من مصادر عيش و غذاء، إلاّ أنّ الملفت للانتباه، هو أن يتحول مشروع سدّ النهضة إلى مشروع «حرب»، أو سلاح يشهر في وجه الدولتين العربيتيْن، ونعني بهما السودان ومصر واللتان لم تتفقا على استراتيجية واضحة للردّ على الخطر القادم إليهما.

في شهر جويلية

مع اقتراب موعد ملء سد النهضة والذي حددته إثيوبيا بشهر جويلية المقبل، حيث يتوقع أن يكون له آثار كارثية على مصر، دعت وزيرة خارجية السودان إلى موقف قوي يمنع هذه الخطوة قبل الوصول إلى اتفاق.  ويشكل مشروع سد النهضة الضخم على النيل الأزرق الذي أطلقته إثيوبيا عام 2011، مصدرا لتوتر إقليمي خصوصا مع مصر التي يمدها النيل بنسبة 90 في المئة من احتياجاتها المائية.

وقالت الوزيرة أسماء عبدالله «إذا تمت مواجهة إثيوبيا بموقف قوي من السودان ومصر بأن لا يتم الملء قبل الوصول إلى اتفاق ستفكر في الأمر مرتين». وأضافت الوزيرة التي كانت في لقاء مطول مع وزير الموارد المائية ياسر عباس ونائب رئيس حزب الأمة إبراهيم الأمين المتابع لقضية سد النهضة «نعلم تماما أن من حق إثيوبيا أن تبني السدود داخل أراضيها وتولد الكهرباء لمصلحة شعبها ولكن يجب الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية والالتزام بإعلان المبادئ الذي وقعت عليه الدول الثلاث».

مخاوف

وبعد تسع سنوات من المفاوضات، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين الدول المتنازعة.  وتخشى مصر أن يحد السد البالغ طوله 145 مترا من نصيبها من مياه النهر، فيما يخشى السودان من أن يؤثر الأمر على قدرة التخزين لديه، كما أن الخرطوم قلقة بشأن قوة السد وأمانه.

وتقول أسماء عبدالله: «مشروع كبير بحجم سد النهضة على بعد 20 كيلو مترا من الحدود السودانية يؤثر على السودان وبالتالي لابد للسودان أن يكون له موقف»، مضيفة أن السد له فوائده وله مصادر قلق على السودان.  وتوضح أن «من فوائد السد هو انتظام المياه وهذا يعني أنه لن يكون هناك فيضانات في السودان مرة أخرى ولا غرق للأراضي، مع احتفاظنا بنصيبنا في المياه، أما مصادر القلق لدينا أنه لابد من أن تستكمل الدراسات كلها سواء كانت البيئية أو التي تضمن سلامة السد».

ويشير وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس إلى أن بلاده تتأثر بسد النهضة أكثر من مصر «والوصول لاتفاق قبل الملء بالنسبة للسودان هو أمر ضروري بل شرط أساسي، وهي النقطة رقم واحد في خطاب السودان لـ مجلس الأمن».  ويضيف عباس أن «السودان طرف أصيل في هذا الملف ويتأثر أكثر من مصر لأن سعته التخزينية عشرة أضعاف من سد الروصيرص السوداني الذي يبعد 100 كيلو متر فقط عن سد النهضة، لذلك لابد من الوصول إلى اتفاق بشأن مبادئ الملء وطريقة التشغيل».

ويوضح « أنا عملت مهندس تشغيل، لا يمكن أن تعمل على تشغيل سد إلا بمعلومات عن تشغيل السد الذي قبله، فمثلا نحن هنا لا يمكننا تشغيل سد سنار السوداني إلا بمعلومات كاملة عن تشغيل سد الروصيرص حيث يبعدان عن بعضهما مسافة 240 كيلو مترا تقريبا، فما بالك لو كانت المسافة بين الروصيرص إلى سد النهضة مئة كيلو متر فقط، وبالتالي فإن طريقة تشغيل سد الروصيرص تعتمد اعتمادا كاملا على طريقة تشغيل سد النهضة وتوفر المعلومات، لذلك جاء الإصرار على توقيع اتفاق قبل بدء ملء سد النهضة».  ويضيف «من حق إثيوبيا أن تقوم بعمل التنمية لكن في نفس الوقت بدون إحداث ضرر للآخرين».

مجلس الأمن

وخاطب السودان مجلس الأمن مؤكدا تشجيع أطراف «سد النهضة» الإثيوبي على تجنب القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر سلبا على السلم والأمن الإقليمي والدولي. وأوضحت وزيرة الخارجية  أن «السودان أرسل الخطاب لمجلس الأمن لأن مصر كانت أرسلت رسالة لمجلس الأمن قبل شهر توضح فيها موقفها وتريد من مجلس الأمن التدخل حتى تلين إثيوبيا من موقفها وتعود للمفاوضات، وردت حينها إثيوبيا على الرسالة لتقول إنها منفتحة على المفاوضات».

ووقعت مصر، في 29 فيفري الماضي بالأحرف الأولى على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي أعدته واشنطن والبنك الدولي، بينما امتنعت إثيوبيا عن التوقيع. وجاء التوقيع بعد سلسلة اجتماعات عقدتها مصر وإثيوبيا والسودان في واشنطن منذ السادس من نوفمبر الماضي، على مستوى وزراء الخارجية والموارد المائية، بحضور ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي.

وقالت وزيرة الخارجية أسماء عبدالله «أرسلنا رسالة لمجلس الأمن لنؤكد أن السودان شريك أصيل في السد والمفاوضات لأن هناك كلام أن السودان وسيط بين مصر وإثيوبيا، نحن لسنا وسيطا، بل نحن شريك ولدينا موقف من قضية سد النهضة، وشرحنا موقفنا أثناء المفاوضات».  وأضافت أن «السودان يهمه أن تصل الدول الثلاث إلى توافق، خاصة أنه حسب ميثاق الأمم المتحدة وإعلان المبادئ يجب أن يتم الاستخدام السليم والمتساوي للمياه وألا يحدث أي ضرر لأي من الدول الثلاث وأن يتم الإخطار وتبادل المعلومات والحل السلمي للخلافات».

فيما قال إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة إن السودان لديه مصلحة في أن يتم التوافق من أجل إبعاد المنطقة من أي مبررات لأي عمل غير مسؤول.  وكثيرا ما اقترح سياسيون في مصر شن ضربة عسكرية لسد النهضة الإثيوبي الذي يعتبره المصريون «مسألة حياة أو موت» خاصة أن البلاد تعاني أساسا من نقص في الموارد المائية، كما اقترح البعض ممارسة ضغوط عسكرية على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق بشأن السد.

وبعد توقف المفاوضات والوصول إلى حائط مسدود عادت الحرب الكلامية في مارس الماضي بين الجانبين المصري والإثيوبي، حيث قال وزير الخارجية المصرية سامح شكري إنه «لا يمكن لإثيوبيا بأي حال من الأحوال أن تقدم على ملء السد بدون اتفاق، وأن مصر تؤكد استمرارها في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق».

وزير الخارجية الإثيوبي غودو أندارجاشيو، أعلن من جانبه أن بلاده ستبدأ في تعبئة سد النهضة في جويلية القادم، وقال: «الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه».

وترى وزيرة الخارجية ووزير الري والموارد المائية في السودان أنه حتى انقطاع المفاوضات في 13 فبراير وامتناع إثيوبيا عن توقيع اتفاق واشنطن في 29 فيفري الماضي، كان هناك اتفاق بشأن 90 في المائة من المسائل الفنية والسياسية العالقة، وأنه يمكن التوصل لاتفاق بشأن النقاط القليلة المتبقية.  وأوضح وزير الموارد المائية ياسر عباس «كان هناك اتفاق أن يتم البناء على مراحل وعندما تنتهي كل مرحلة يتم ملء ما تم بناءه»، وهذا يعني أن يتم تقليص نقص المياه والضرر الذي يحدث على مصر.  وأضاف كان الحديث أن السد يمكن أن يكون بادرة لتعاون إقليمي «إثيوبيا ستولد كهرباء تورد لها 900 مليون دولار في السنة، سيكون للسودان ومصر الأفضلية أن يشتروا كهرباء رخيصة، وفي نفس الوقت ستتحسن التربة في السودان وننتج غذاء نصدره لكل من إثيوبيا ومصر بأسعار تفضيلية».  وأضاف «لا أعتقد أن قضية سد النهضة معضلة لأننا قطعنا فيها شوطا طويلا من المفاوضات وأن يتم في نهاية المطاف التوصل إلى اتفاقية ترضي الأطراف الثلاث».  يبقى السؤال إذا لم تستجب إثيوبيا وبدأت في ملء خزان سد النهضة الشهر المقبل، فماذا تملك الدول الأخرى من خيارات؟ حيث  تقول عبد الله: «نحن لا نأمل أن نصل إلى هذه المرحلة».

دبلوماسية هادئة

الدولة المصرية تقود مفوضات سدّ النهضة منذ سنوات بدبلوماسية هادئة، رغم كل الاستفزازات التي تريد جرّها إلى مربّع المواجهة العسكرية. وهي تبادر إلى حلّ الخلافات عبر اللجان التقنية المشتركة مع السودان وأثيوبيا، و تتحاور مع دول أخرى ذات علاقة بالملف، وتقبل مبادرات عدّة، و كلّ هذا درءا لكل ما من شأنه أن يقود إلى نقطة اللاعودة، وهي رغبة الأطراف التي لا تريد أن يبقى الجيش المصري قويّا في منطقة تهاوت فيها أغلب الجيوش العربيّة، لكن هل تستطيع مصر أن تضمن مصالحها دون أن تكشّر عن أنيابها، وتوقف القوى الإقليمية المتربّصة بها عند حدودها؟ الإجابة تقتضي هنا الاستئناس بما قاله ياسر عرفات في أول خطاب له على منبر الأمم المتحدة في العام 1974، عندما قال « جئت إليكم وأنا أحمل غصن زيتون في يدي، وفي اليد الأخرى أحمل بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي».

على مصر أن تخاطب القوم بما يفهمون في هذه المرحلة الدقيقة، التي استوطى فيها كل من هب و دب الجدران العربيّة، لأنّ الهدوء قد يفهم في أحيان كثيرة على أنه ضعف، و لأنّ مشروع سدّ النهضة ليس مجرّد مشروع تنموي من حق دولة يمرّ عبرها نهر النيل، بل إنه مشروع تتدخل فيه قوى عدوّة لمصر و لشعبها و لحضارتها، و لا سرّ في أن نقول إن مشروع سد النهضة هو مشروع يدعمه الكيان الصهيوني، و تدعمه القوى المالية المرتبطة بالكيان.

فقد أكد وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إن إسرائيل تتلاعب بشكل خفي في أزمة سد النهضة، بمساندتها لإثيوبيا، من أجل التضييق على المصريين في نهر النيل. وأضاف علام، في حوار، أن «العدو الاستراتيجي يستخدم جميع أدوات سياسة العصا والجزرة في أزمة سد النهضة، حيث قالت بريطانيا منذ زمن بعيد، إن نهر النيل أهم شيء للمصريين، وإذا أردت أن تضيق عليهم الخناق «أقفل الحنفية»، وهم يريدون حاليا استخدام هذا السلاح».

إنّ مثل هذا التصريح يشير بوضوح إلى أنّ الاستفزازات الأثيوبية المتعلقة بالمضي في إنجاز السّدّ و الحديث عن خطط ملئه دون اعتبار لمصالح مصر و السودان، قد تكون تستند إلى قوى دولية و إقليمية تعتقد أثيوبيا أنها ستحميها من أي رد مصري.

مصر و في شكواها إلى مجلس الأمن قالت إنّ «ملء السد وتشغيله، سيعرض الأمن المائي والأمن الغذائي المصري للخطر، بل ووجود أكثر من 100 مليون مصري يعتمدون بشكل كامل على نهر النيل لكسب عيشهم». لكن أثيوبيا ردت على ذلك بأنها لا ترى أي سبب لتأجيل ملء خزان سدها الضخم.

وهذا يعني بوضوح أن قادة أديس أبابا لا يريدون أن يجنحوا للسلم، و أنّ التحرش بمياه النيل، ليس سوى خطوة من خطوات الحرب على مصر بالمفهوم الاستعماري البريطاني« أقفل الحنفية». و لو تطور الأمر إلى مواجهة في «حرب العطش»، فإنّ مصر ستجد نفسها وحيدة، في مواجهة عالم منافق وفي مواجهة قوى خفيّة تناصب الشر و العداء لأرض الكنانة، لأن الوضع العربي الراهن هو في أسوأ صوره و حالاته، و لأن اتفاقية الدفاع العربي المشترك ميّتة منذ ولادتها.

مسلسل سدّ النهضة، سيتواصل إلى حلقته الأخيرة، لتعيش معه مصر و السودان، سنوات عجاف، أم أنّ خير أجناد الأرض، سيتحرّكون في الوقت المناسب ليوقفوا أي عدوان محتمل على شعبهم، وعلى مصالحه الحيويّة. هم الآن يحسبون لكل خطوة حساب، و هم يعرفون أن شركاء تل أبيب في المشاريع الإقليمية الجديدة، يخوضون حربا بالوكالة لفائدتها. تركيا في الغرب، و أثيوبيا في الجنوب، و الصهاينة في الشرق، أليس هذا هو الثالوث المعادي لمصالح الأمة؟ لم يعد شيء يخفى على أحد، و السياسات العدائية باتت تُلعب على المكشوف، وربّ ضارّة نافعة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى