لا يمكن أن نقول عن الشخصيات الوفدية المخلصة التي دفعت عمرها ثمناً لبقاء الوفد واستمراره، مقولة مثل أنهم لا يقومون بالتضحية من أجل الكيان، هذا كلام عيب، ولا يقوله إلا ساذج، فهذا الكيان دفعوا فيه، فعلياً، ما لم يدفعه غيرهم.. فقد دفعوا الثمن الغالي.. دفعوا العمر ثمناً.. وهو القيمة الوحيدة التي لا يمكن تعويضها.. فما يذهب من العمر لا يعود!!
ولا يمكن، أيضاً، أن نقول عن هؤلاء، الذين دفعوا، ومازالوا يدفعون، الثمن الأغلى، في كل المستويات التنظيمية داخل الحزب، بدءاً من عضويات لجان القرى حتى المكتب التنفيذي، إنهم يريدون احتكار الوفد، لأنه لا يمكن اتهام أصحاب البيت بأنهم يمتلكون بيتهم!!
ولا يمكن أن تواجه النواة الصلبة في الوفد كل هذه الحرب الشرسة؛ لأنها تواصل ما بدأه فؤاد سراج الدين عقب عودة الحزب رسمياً للحياة السياسية، بعد غياب 25 عاماً كاملة، فالمسيرة مستمرة، والنضال متواصل، والوفد باقٍ بأبنائه، وعلاقة الوفديين بحزبهم ليست علاقة «مسيار» ولكنها ارتباط زمنى أبدى لا ينتهى إلا بالموت، فالوفدي يبقى وفدياً حتى قبره، ولا يبحث عن مكاسب سياسية سريعة، ولا خاطفة، ولكن أمله، كل أمله، أن يقول الوفديون بعد رحيله إنه كان «وفدياً مخلصاً أصيلاً».
قد تسألني.. ماذا تقصد بالنواة الصلبة، والإجابة بسيطة، لأن كل الوفديين يعرفون معناها، ويدركون أن هذه النواة هي التي حافظت على الوفد سنوات طوالاً، صحيح تغيرت أجيال هذه النواة الصلبة المخلصة، وقامت أجيال سابقة بتسليم الراية لأجيال لاحقة، ولكن نفس النواة مازالت باقية منذ قرن من الزمان، وتيارها العام مازال مستمراً في تضحياته من أجل الحزب، الذى لم يعرفوا غيره حزباً، ولم يتركوه أو يغادروه، ولم يتخلى بعضهم عن دوره تجاه وفده إلا غصباً، ولكنهم دائماً يعودون إلى بيتهم، لاستكمال الدور دون كلل أو ندم، فالوفد بالنسبة لهم هو الحياة، والحياة بالنسبة لهم هي الوفد!!
قد تسألني أيضاً من هم أعضاء ومكونات هذه النواة؟ وقطعاً ستكون الإجابة خاطئة، لأنها ستمثل رداً على سؤال خاطئ، فهذه «النواة الصلبة» عبارة عن جيل تسلم الراية من أجيال سابقة، وهذه النواة الصلبة هي سر استمرار الوفد مائة عام كاملة، فالنواة الصلبة لثورة 1919 هي المجموعة التي عملت مع سعد زغلول، وعندما خاض الوفد معاركه في مواجهة المحتل كانت النواة الصلبة هي حائط الصد ضد تدمير الوفد وتفكيكه من الداخل، فبقى الوفد بفضل نواته الصلبة، رغم خروج عدد من قيادات الوفد المؤسسين، بقى الوفد بواسطة قياداته المخلصين، فالإخلاص هو الفيصل في استمرار الحزب العريق دائماً، وعندما كانت المواجهة من أجل اختيار خليفة سعد زغلول، انحازت النواة الصلبة إلى مصطفى النحاس، ليصبح زعيماً لا يضاهى، ويواصل كفاح سعد، دون اهتزاز، ليبقى الوفد أيضاً بفضل بقاء نواته الصلبة، حتى بعد حل الأحزاب، عام 1953 استمر الوفد بفضل تواصل نواته الصلبة وتماسكها، فرغم تقييد حركة مصطفى باشا النحاس، ظل الوفديون يسألون عنه، ويتواصلون معه عبر وسطاء تمكنوا من اختراق الحظر الأمني، ليلتقوا به مرة واحدة فقط في الأسبوع، ولهذا السبب كان نقل خبر وفاته دون إذاعته رسمياً، أسهل مما يتصوره البعض، فقد كان التواصل باقياً ومتواصلاً، فمثلما استمر تنظيم الوفد بعد نفى سعد، استمر تواصل الوفديين بعد تقييد حركة النحاس، بفضل نواته الصلبة، التي لم تلن ولم يهن الوفد عليها، ولم تبحث عن مصالحها، بل كان شعارها الدائم.. «عاش الثبات على المبدأ».
نفس هذه النواة الصلبة، تأسست في عهد فؤاد سراج الدين، وكان مكونها الأساسي ممن بقوا في عهد النحاس، وتمت إضافة جيل جديد من الشباب إليهم، ليستمر منهج تواصل الأجيال، والغريب أن هؤلاء الشبان، أصبح منهم رؤساء للوفد فيما بعد، وقيادات تدير سياسات الحزب سنوات طويلة، والأغرب أنهم كانوا جزءاً من النواة الصلبة في عهد فؤاد سراج الدين، الذى رحل تاركاً وراءه جيلين عملوا معه، فضمن للحزب الاستمرار سنوات طوالاً، ويكفى أن أقول إن كل رؤساء الوفد، بعد فؤاد سراج الدين، منذ رحيله كانوا من تلاميذه، فرؤساء الوفد نعمان جمعة، ومصطفى الطويل، ومحمود أباظة، والسيد البدوي، وبهاء الدين أبو شقة.. جميعهم ممن عملوا معه سنوات، ومن المصادفات أن هناك شخصيات وفدية كثيرة ممن عملوا مع فؤاد سراج الدين، مازالوا يقفون في حشد كبير لخدمة الوفد دون كلل، ودون انتظار مقابل لأى مكسب سياسي على حساب الكيان، في كل اللجان، في القرى، والمراكز، والأقسام، والأحياء، والمحافظات، وسوف يبقون وفديين يواصلون كفاحهم بلا مقابل، أو ثمن للإخلاص.
والآن.. مازالت نواة الوفد الصلبة قوية ومستمرة.. انضم لها شباب صغير في السن.. بعضهم قضى في الوفد عشر سنوات، وبعضهم أكثر، وبعضهم أقل، ولكنهم يتفقون جميعهم، على أنهم لا يعرفون بيتاً سوى بيت الأمة، فهو بيتهم وكيانهم، وبلا شك فإن الراية سيتم تسليمها لهم وليس لغيرهم!!
خلاصة القول.. هذا الحزب له قلب.. وقلبه هو نواته الصلبة التي لا تخوض معارك جانبية، ولكنها دائماً تترك مساحات الحركة للجميع ما داموا يعملون للصالح الذى لا يضر التنظيم، ولكنها تتحرك عندما تستشعر الخطر.. وفى النهاية سيبقى الوفد لأنه سيظل في حماية الوفديين.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية