نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: سقوط الشرعية الدولية في ليبيا

الأحداث الأخيرة المتسارعة في ليبيا أسقطت كل الأقنعة، وحددت خيوط وتوجهات القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض والثروة الليبية.. وفى ثنايا هذه الأزمة تلاشت كالعادة المؤسسات الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وأيضاً الاتحاد الأوروبي، وفقدت جميعها أدوارها الفاعلة أمام مصالح وأطماع واتفاقيات القوى الكبرى.

وبات العالم الآن ومؤسساته الدولية أسير سياسات الهيمنة والمصالح وسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، ولا يحترم إلا الأقوياء، وليس أدل على ذلك من سقوط الشرعية الدولية في ليبيا بعد قيام تركيا بشحن آلاف المرتزقة والمقاتلين والأسلحة إلى الأراضي الليبية، رغم صدور قرار سابق من مجلس الأمن الدولي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، ولم ينكر الرئيس التركي في إرسال قواته إلى ليبيا، وفى تصريحاته الأخيرة أكد وبوضوح توجه القوات إلى مدينة سرت وباقي مدن ليبيا التي تحتوي على حقول النفط والغاز للسيطرة عليها.

إذن الغزو التركي إلى ليبيا بات أمراً واقعاً على الأرض الليبية، وسيطرة المرتزقة والميليشيات والجماعات الإرهابية على طرابلس والغرب الليبي تم بدعم دول كبرى وأخرى عربية، إما لحسابات وأطماع اقتصادية وعسكرية أو لأهداف أيديولوجية فيما يعرف بتلاقي المصالح على الأرض الليبية بين أردوغان الأب الروحي وراعى جماعة الإخوان المسلمين أينما وجدت، وحكومة فايز السراج التي تسيطر عليها جماعة الإخوان والميليشيات الإرهابية.

وإذا كانت هذه الجماعات والميليشيات لا تعرف الانتماء الوطني وقدسية وحرمة الأرض والوطن، وينحصر انتماؤها في أيديولوجيتها وعقيدتها إلى حد استدعاء الغزاة والمرتزقة لترويع شعبها والاستيلاء على ثرواته.. فإن أردوغان قد وجد ضالته للخروج من أزماته الاقتصادية في بلاده على حساب ثروات ليبيا النفطية وجثث أبنائها في ظل الغياب الدولي المعهود تجاه الثروات العربية التي أصبحت مشاعاً لكثير من الدول والقوى الكبرى، ومن خلال اتفاقيات سرية في سوق السلاح والنفط والغاز التي يجيد لعبتها أردوغان، وأدى فيها دوره سابقاً بكفاءة في العراق ومازال يمارسه على الأرض السورية لحساب بعض القوى.

من هنا كان التحرك المصري الأخير تجاه ليبيا أمراً طبيعياً ومتوقعاً، وجاء إعلان القاهرة لإعادة مسار العملية السياسية والوصول إلى تسوية سلمية بين شتى الأطراف الليبية بإشراف الأمم المتحدة على أسس محددة أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي الذى شارك فيه المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.

وجاء على رأس بنود الإعلان الحفاظ على وحدة ليبيا، وضمان التمثيل العادل لأقاليم ليبيا الثلاثة «طبرق- وفزان- وطرابلس» بحيث يكون لكل منها ممثل في المجلس الرئاسي الجديد، والتوزيع العادل للثروة الليبية لجميع الأقاليم والمواطنين، الأمر الذى يستدعى وقف القتال، وخروج كل المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية وإعادة بناء مؤسسات الدولة واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية «5 + 5» بما يؤكد أنها مبادرة ليبية- ليبية لحل الأزمة تحت إشراف الأمم المتحدة.. وكما هو متوقع رفضت حكومة الوفاق مبادرة القاهرة.

ولكن ما يثير الدهشة والسخرية كانت مبررات الرفض التي أعلنها رئيس المجلس الأعلى في ليبيا، عندما قال إن ليبيا دولة ذات سيادة وترفض التدخل المصري في شئونها؟! ويبدو أنه عندما قال هذه التصريحات كان تحت حماية ووصاية القوات التركية والمرتزقة والإرهابيين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم من قتل ونهب وسلب وإحراق في مدينة ترهونة بعد انسحاب الجيش الوطني منها، وهو ما لا يراه بسبب انتمائه العقائدي وقبلته السياسية التي طغت على انتمائه لوطنه.

لن نسبق الأحداث في ليبيا التي تشكل عمقاً استراتيجياً لمصر وأمنها القومي.. ولكن الأحداث المتسارعة والمتشابكة التي تمر بها المنطقة قد أجابت عن تساؤلات كثيرة طرحها المصريون سابقاً وشغلت أذهانهم، وكثيراً ما شغلت الرأي العام المصري، وبعضها لم تكن له إجابات قاطعة.

والآن يعي الجميع لماذا كانت زيارة أردوغان إلى مصر وقت قفز الإخوان على السلطة، ولماذا تم استقباله بكل هذه الحفاوة.. ولماذا انفجر الإرهاب في سيناء وغيرها.. ثم أسباب العداء الشديد من أردوغان وحكومته وبعض الدول التي ترعى الإرهاب وتتربح من ورائه تجاه مصر بعد سقوط الجماعة الإرهابية في ثورة الثلاثين من يونيه المجيدة.

والأهم من كل هذا هو أن المصريين جميعاً أيقنوا الآن لماذا تم تحديث وتنويع مصادر السلاح، ولماذا تم تسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة براً وبحراً وجواً، ولماذا تم إنشاء عدد من القواعد العسكرية الجديدة وأهمها في الغرب والجنوب، ولماذا تتعدد المناورات العسكرية والحرص على جاهزية الجيش المصري الذي بات وأصبح مفخرة مصر والمصريين والعرب، ويتم تصنيفه أحد أقوى عشرة جيوش بالعالم.

حمى الله مصر من كل سوء.

نائب رئيس حزب الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى