لا تعجبني مقولة أن «حزب الوفد» ملك للأمة، فهي جملة غير واقعية، لا تصلح للحديث عن التنظيم الحزبي، وهي تلغى فكرة الخصوصية الفكرية، وتجعل أدوات التنظيم على الشيوع، بلا ضابط أو رابط، وتجعل كيان الحزب بلا أصحاب أو مُلاك، فيستطيع أن يمتلكه أي زائر، ويستطيع أن يستحوذ عليه أي عابر سبيل!
لو أصبح هذا الحزب ملكاً لكل المصريين، كما يقال أحياناً، فعلى كل المصريين البالغين لسن 18 عاماً أن يوقعوا استمارات عضوية للانضمام إليه، وهذا لم يحدث عبر مائة عام، ولذلك تتحول المقولة إلى «عبث» فكرى وتنظيمي، بالإضافة إلى أنها فكرة تنفى منطق التعددية، لأن مهمة الحزب في الأساس هي خدمة الوطن، من خلال أفكار تتصارع مع أفكار غيره من الأحزاب، وسيصبح صاحب المواقف المشرفة، والجهد الوفير حزباً للأغلبية من خلال خيار ديمقراطي، يتم تنظيمه عبر آليات عادلة، وبالتالي فكرة أن الوفد ملك لكل الأمة، هي مقولة تسمح بالدخول والخروج من التنظيم، تحت مبرر غير واضح المعالم، وكلمات مطاطة، لا نفهمها تنظيمياً، ولكن يمكننا أن نوافق عليها، خارج إطار هذا التنظيم السياسي، فنقبلها كمقولة تُعلن في سياق جمع المًحبين، والمُقتنعين، ووارثي الفكرة من عائلات وفدية، أو لجذب أفراد قرأوا التاريخ جيداً، فعرفوا أن ملاذ هذا الوطن- دائماً- كان الوفد، بتاريخه النضالي الناصع وسجله السياسي المشرف، أما غير ذلك، فهي كلمات تقال للاستهلاك فتجعلنا نتواكل، وللأسف هي مقولة أطلقها من أرادوا أن يتركوا باب حزبنا مفتوحاً لهم عندما تُغلق في وجوههم أبواب أحزاب أخرى.
إذا أردنا أن نكون واقعيين ومُنصفين يجب أن نقول «الوفد ملك للوفديين» أو المقولة التي يرددها الوفديون دائماً وهى أن «الوفد للوفديين».. تلك المقولة التي تؤكد فكرة «التضحية والانتماء الزمنى غير المؤقت» وهى الفكرة التي تؤسس للمِلكية، وإلا سنصبح أمام كيان «هُلامي» ينضم إليه آلاف البشر كل عام ويتركه ما يماثلهم في العام الذى يليه!! وهنا لا يمكننا أن نكون أمام حزب بمرجعية فكرية وتراث تاريخي وتنظيم متماسك «دائم» بل سنصبح أمام تجمع مصالح «مؤقت» سيختفى بانتهاء المصلحة، أما الوفد فهو حزب الوطنية الجامعة الذى لا تنتهى مواقفه المدافعة عن مصالح الوطن، وهذه الصفة التي يتميز بها الوفد تتطلب أن تسيطر فكرة «الديمومة» على عضوياته، أو بمعنى واقعى وأكثر دقة، على الغالبية العظمى والكاسحة من عضوياته، وهو ما يقودنا للحديث عن وصف الوفدي، فهو عضو دائم وغير مؤقت، جاء ليبقى، فلا يصبح وفدياً من يأتى للحصول على هدف، فإذا لم يحصل عليه غادر وتنازل عن انتمائه الحزبي!
إذن.. كلمة «الوفديين» هي الوصف السياسي، الذى يُطلق على المنتمين لحزب الوفد، وهو وصف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشروط قاسية، لا يعرفها إلا من قضى في الوفد وقتاً طويلًا، ويدرك مساحات الفوارق بين فكرة الاعتناق الفكري للحزب ومنهجه وتاريخه وتراثه، واستمرار هذا الانتماء لفترة من الزمن سواء بمميزاته وعيوبه ومتاعبه.. وبين فكرة الانتماء الجسدي دون الاستغراق في تفاصيل كثيرة، يحتاج الحديث عنها صفحات ومقالات، ولكن أول هذه التفاصيل للحصول على الوصف هو «العطاء بدون مقابل لفترة طويلة من الزمن».
وقد ثار جدلاً عقب ثورة يناير 2011، عندما تم فتح باب الحزب على مصراعيه، لضم عضويات جديدة، وكانت هناك وجهتا نظر، الأولى هي أننا نمر بظرف تاريخي لا يتكرر كثيراً، وقد لا تمر به البلاد إلا بعد قرن كامل من الزمن، ويجب ضم كل من نستطيع من شخصيات، لدعم الحزب، ليس مالياً لأن الحزب في ذلك الوقت كان يمتلك رصيداً مالياً كبيراً، ولكن القصد كان الحصول على الدعم سياسياً وجماهيرياً، خاصة أننا أصبحنا في واقع سياسي مفتوح، الغلبة فيه لمن يتصل بالناس في أكبر مساحة جغرافية ممكنة، وكانت وجهة النظر الثانية متحفظة على فتح الباب على مصراعيه، وكان رأى أصحابها أن يتم فتح الباب بتحفظ، حتى لا يتأثر التنظيم الحزبي، ولا تتغير هوية الحزب، وأنا شخصياً كنت من أنصار الرأي الثاني، فلا تغلق الباب تماماً ولكن لا تفتحه بلا حساب يؤثر على الهوية الوفدية، فقد تمكن الوفد من البقاء لأكثر من تسعين عاماً- وقت الجدل- بسبب حفاظه على هويته، وليس لأى سبب آخر، وظل الوفديون القدامى جالسين في بيوتهم منذ عام 1953 ولمدة 25 عاماً بالتمام والكمال، وعادوا سنة 1978 إلى الحياة السياسية مكتملي الصفوف، لأنهم كانوا أصحاب هوية، ومحافظين على مبادئهم، ورغم الإغراءات لم يتجهوا يميناً أو يساراً، بل ظلوا وفديين لا يتغيرون، ورغم هذا الغياب الطويل ظلت الهوية باقية، ولذلك لم يبذل الزعيم فؤاد سراج الدين مشقةً كبيرة في إعادة التنظيم الحزبي إلى الوجود مستنداً إلى من تبقى على قيد الحياة من الوفديين القدامى، فقد كانوا هم أصحاب الفكرة، وورثتها، وأصحاب التنظيم وحراسه!
الخلاصة أن «الوفد ليس تنظيماً حزبياً شيطانياً وليس كياناً عبثياً، بل هو جامعة سياسية وطنية ضاربة في جذور الأرض وحراسته فرض عين على أبنائه من خلال الحفاظ على هويته التي تمثل السياج الحامي له من مغامرات المغامرين وعابري السبيل».
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية
