زهرة فتاة باكستانية في الثامنة من عمرها لم ترد شيئًا في هذه الحياة سوى أبسط الحقوق المكفولة للجميع، بسبب الفقر وضيق الحال، أرسلها والداها للعمل عند عائلة غنية -عائلة حسن صديقي- ليضمنا لها حياة كريمة وتعليمًا جيدًا، لكن بعد أربعة شهور من العمل الشاق، جاء اليوم المشؤوم الذي كانت فيه زهرة تطعم ببغاوين غاليي الثمن تملكهما عائلة صدقي.
شعرت زهرة بمدى التشابه بينها وبين الطيور الحبيسة، ففتحت لهما باب القفص لتطعمهما وهما أحرارًا. زهرة كفلت للطيور ما لم تكفله لها عائلة صدقي، كفلت لهما حقهما في الحرية وأكثر من ذلك حقهما في الحياة.
الحياة التي قرر الرجل وزوجته أن يسلباها منها فضرباها وعذباها حتى فاضت روحها إلى ربها الكريم. ذكرتهما زهرة بالإنسانية التي فقداها، قُتلت زهرة لتفتح علينا أبوابًا عديدة يسعى العالم لتجاهلها وكأنها لا وجود لها.
عمالة الأطفال كانت ولا تزال من أكبر المشكلات التي تواجه باكستان. فوفقًا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة يوجد 3.3 مليون طفل منخرطين في سوق العمل في باكستان، ويرجع ذلك إلى الفقر الشديد الذي يدفع الأسر إلى اللجوء تشغيل أطفالهم.
وهناك أزمة أخرى في البلاد التي تمتلك ثاني أعلى معدل لتسرب الأطفال من التعليم، حيث يوجد 22.8 مليون طفل بين سن 6 إلى 15 عامًا خارج المدارس، وتتزايد النسبة بين الفتيات، ويرجع ذلك إلى سيطرة العادات والتقاليد على المجتمع الباكستاني الذي يفضل تعليم الذكور.
ونظرًا للوضع السيء في باكستان تدخلت منظمات دولية ومنها الأمم المتحدة لتنفيذ بعض البرامج لضمان حقوق الأطفال وإبعادهم عن سوق العمل. كما فرضت بعض الدول الكبرى قواعد صارمة على الاستيراد من باكستان بسبب رفضهم مبدأ عمالة الأطفال، وهو الأمر الذي رفضته باكستان مؤكدة أنه بدلًا من ادعاء الدول الكبرى بأنها بهذه القرارات تقلل من عمالة الأطفال، فلماذا لا تسقط الديون عن باكستان لتتمكن الدولة من التخلص من الفقر، السبب الرئيس في كل ما تعانيه.
في النهاية رغم كل الجهود المبذولة قُتلت زهرة وأصيبت مالالا وغيرهم كثيرون ممن لم تسجل أسماؤهم. ومازالت باكستان في حاجة إلى سياسات رادعة لمنتهكي حقوق الأطفال والمعتدين عليهم نفسيًا وجسديًا وجنسيًا. كما أنها بحاجة إلى قوانين واضحة تضمن حقهم في التعليم والتمتع بطفولتهم، وفقًا لمواثيق حقوق الإنسان. يجب أن نكف عن التنديد والإدانة لأنها لا تغير سياسات الدول ولا تعيد الإنسانية لمن فقدوها.
رحم الله زهرة، رحم الله كل فتاة حاربت من أجل العلم والحرية، حاربت من أجل الحياة. ولعن الله قتلة زهرة، وجورج فلويد، والقتلة من كل جنس ودين.
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية