نون والقلم

د.يوسف بن مير يكتب: تسهيل المشاركة من أجل التنمية المستدامة

كيف يمكننا تحقيق التنمية المستدامة، ليس فقط على الصعيد العالمي، ولكن على وجه التحديد في المغرب؟ يجب علينا أولا أن ننظر في ما هي السمات المركزية لهذا التطور. يجب أن ندمج العديد من العوامل في التصميم الإبداعي والمبتكر: التعليم، الجنس، الأخلاق، الاقتصاد، السياسة، الثقافة، التاريخ، الجغرافيا، التمويل  والجوانب التقنية من أجل أن تحقق المشاريع المستدامة النجاح الدائم.

كما نحتاج أيضًا إلى استخدام نهج تشاركي، لقد تعلمنا بمرور الوقت من خلال التجربة والخطأ والملاحظة كيف تم إضفاء الطابع المؤسسي على المساعدة الإنمائية في السبعين سنة الماضية أن المشاركة والاستدامة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا.

كيف يمكننا تحقيق مشاركة الناس في تغيير مجتمعهم؟ نحققه، أولاً وقبل كل شيء، من خلال كوننا ميسرين ماهرين في إجراء أنواع الإجتماعات المجتمعية التي يجتمع فيها الناس للتعبير عن وجهات نظرهم، وهمومهم وآمالهم وأحلامهم، بما في ذلك الشباب، وأولئك الذين لا يملكون الأرض، البعيدين، المحرومين والمهمشين. وبصفتنا وكلاء للتغيير، يجب علينا في مؤسسة الأطلس الكبير التخطيط لمثل هذه الاجتماعات وجدولتها وتنسيقها.

يجب أن نتأكد من أن جميع الأطراف على علم بها وأنها تجرى في وقت يتمتع فيه المشاركون بالحرية في الحضور. ولذلك يتعين علينا تكييف جداولنا مع جداولهم. نحن بحاجة للبحث وجمع البيانات مقدما. والأهم من ذلك ، يجب أن نتدرب – من خلال الدراسة والملاحظة والتطبيق – على كيفية المساعدة في أنشطة بناء الإجماع حيث يكون لجميع المشاركين فرصة للتحدث. وكما لاحظ عالم الاجتماع أوغست كومت،  فإن طريقة معرفة منهجيات البحث وفهم تعقيداتها هي تطبيقها؛ نفس الشيء ينطبق على مهارات التيسير.

كيف نصبح ميسرين فعالين؟ تقليديا، يجب علينا توفير بيئة جيدة حيث يمكن للناس أن يواجهوا بعضهم البعض، والتواصل بالعين والاستماع إلى بعضهم البعض في مساحة آمنة يتم فيها وضع القواعد والحدود، واليوم ، يجب أن نستكشف قدر الإمكان كيف يمكننا تحقيق «المجموع أكبر من الأجزاء»، والذي يحدث عندما يكون هناك حوار مباشر لصنع القرار بين أعضاء المجتمع والشركاء. ومع ذلك ، يجب علينا تحقيق شرط الاستدامة هذا في سياق الاتصال عن بعد. يجب أن يكون الميسرون قادرين على التعاطف لإنشاء ذلك الحيّز المريح ، وتحقيق التوازن بين طول الوقت الذي يستغرقه كل شخص في التحدث  وإحساس مقدار مدى حثّ أو إخلاء سبيل المتحدث وكيفية الرد على أولئك الذين يقاومون أو يعملون ضد العملية وتشجيع المحادثة من أجل مواجهة تلك العقبات. يجب أن يتحلّى الميسرون بالحساسية.

وعندما نسمح للآخرين بالفرصة القصوى للقيادة وإعطاء مجال لحدوث ذلك، فإن المشاريع التي تنبعث لها فوائد دائمة  وهذا يعني وجود فهم أوسع لما هو مطلوب. فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة الأطلس الكبير بزراعة مليوني شجرة منذ عام 2014. ولكي تكتسب هذه التعاونيات المزيد من الدعم من الشركاء والمانحين لمبادرات أشجار الفاكهة، يجب عليهم العناية بتلك الأشجار. نحن بحاجة لمساعدتهم على بناء قدرتهم على القيام بذلك حتّى ولو لم يكن ذلك إحدى رغباتهم التي يتوقون إليها. ومهمة مؤسسة الأطلس الكبير (HAF) هي توصيل المعلومات ومتطلبات المشروع للمساعدة في توجيه المجتمع في اتجاه لم يروه ضروريًا قبل ذلك من أجل أن يحقق هذا المجتمع النجاح لما يتصوره – لشيء يريدونه يتضمن إجراءات لم يختاروها  بالضرورة. هذا جانب أساسي من مهمة الميسر: أي جلب المعرفة والظروف والعوامل وواقع ما هو مطلوب من أجل تحقيق الأهداف حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ إجراءات لا يفضلها المجتمع أو يخطط لها.

وأين هي الموارد المتاحة – الناحية المالية وغيرها – التي تحتاجها المجتمعات المحلية لتحقيق أكثر ما تريده؟ نحتاج إلى معرفة تلك المعلومات،  مثلا ً معرفة ما إذا كانت الموارد داخل المغرب على المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي  أو خارج الدولة من خلال الإتحادات الأوروبية أو الأفريقية على سبيل المثال. ليس هذا فحسب ، ولكن يجب أن نكون قادرين على مساعدتهم في الوصول إلى هذه الموارد.

وفي هذا السياق نحتاج إلى تقديم الدعم في تطوير الاقتراح. إنهم بحاجة إلى مشورة الخبراء التقنيين لتصميم خطط الأعمال التي تتضمن التسويق وتوقعات التكلفة والفائدة. نحن نقوم بذلك  بإرسال متطوعين ميدانيين من برنامج مزارع لمزارع الذي ترعاه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ولكي تكون الفائدة مستدامة ، يجب أن يتعلم المستفيدون كيفية وضع تلك الخطط. وهذا أيضًا جزء أساسي مما يفعله الميسرون – نقل تلك القدرات والكفاءات إلى الأشخاص الذين يريدون تحقيق تلك الأهداف في حياتهم، لأننا لا نستطيع أن نبني خطط الأعمال والمشاريع إلى الأبد. نحتاج لتجهيز الشعب المغربي الذي نخدمه لوضع الخطط لمستقبلهم.

يعيش ثلاثة أرباع الناس الذين يعانون من الفقر في هذا البلد في المناطق القروية أحد الأشياء التي نراها والتي تبقي الأسر القروية المغربية فقيرة هي أن منتجاتها قد تكون عضوية ولكنها غير معتمدة وأنه إذا ذهبوا إلى سوق خارج المغرب يتم تصدير هذه المنتجات بشكل ٍ خام ، لذلك فإن المزارعين أنفسهم لا يستفيدون من الزيادات العالمية في أسعار السلع. ليس فقط أنّ ليس لديهم القدرة على الإنتقال إلى محاصيل أكثر ربحية من الشعير والذرة التقليدية، ولكن ليس لديهم القدرة على التصنيع أو التسويق أو الري بكفاءة. يجب أن يفهم الميسّر الفعال السياق العالمي الذي يخلق هذه الحقائق القاسية والمريرة ، ويجب أن يعرف تفسيرات متعددة حول سبب تطور المجتمعات إلى هياكلها الحالية، التحكم بالنساء والفتيات وعدم الرضا والإنفصال عن الإنتاج الذي يكرس الناس أنفسهم له كل يوم وهذه الظروف المرهقة والقمعية. نحن بحاجة إلى أن نكون منغمسين في نظريات التغيير الإجتماعي من أجل فهم الحقائق المحلية.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
tF اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى