من القواعد الهامة لأدارة الصراعات أن تكون علي علم و يقين بالأهداف التي يسعي إليها خصمك و أن يكون هدفك الدائم هو خسارته لهذه الأهداف ولعل مصر تخوض العديد من الصراعات كلها تدور في نفس الوقت و محصلة هذه الصراعات أنها محاولات حثيثة لخروج مصر من دورها الأقليمي و خضوعها لما تمليه عليها هذه القوي من شروط و طلبات .
أول هذه الصراعات و أهمها هو المحاولة الإثيوبية لأستكمال ملء سد النهضة دون النظر علي الأطلاق للأضرار التي ستعود علي مصر من دمار للثروة الزراعية و الحيوانية أو العطش الذي سيعيش عليه مائة مليون مصري و ضياع ملايين الأفدنة الزراعية التي يعيش عليها المصريون وهو ما يؤكد أن الصراع المصري الأثيوبي صراع وجود و ليس صراع علي قطرة المياه فمصر ليس لديها في نهاية سلسلة الحلول لهذا الصراع إلا الدفاع عن أمنها القومي و حياة المائة مليون مصري و هي تملك القدرة و الأدوات و الأرادة للنجاح في أدارة هذا الصراع كما أن الألتفاف و التضامن الشعبي مكتمل تماما خلف القيادة السياسية في كل ما ستتخذه من خطوات في هذا الشأن و لعل ملف سد النهضة قد أخذ منحني أخر بعد المذكرة التي تقدمت بها مصر لمجلس الأمن أوضحت فيه أن الممارسات الأثيوبية تهدد السلم و الأمن في أفريقيا و أن أثيوبيا لا تلتزم بأية مفاوضات أو تعهدات و لا تعطي للقانون الدولي أية أهمية و أن مصر قد استكملت كل ما تستطيع القيام به من مفاوضات للحفاظ علي حقوق مصر التي تكفلها المعاهدات و الأتفاقيات المبرمة سواء كانت الأتفاقية المبرمة عام ١٩٠٢ أو عام ١٩٥٩ أو القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين الدول المشتركة في الأنهار سواء دول المنبع أو دول المصب .
التصريحات الأثيوبية بأنها ستبدأ ملء السد في يوليو القادم و أنها ليست ملزمة بإخطار مصر و السودان بموعد الملء أو تفاصيله وصل بالأمور إلي لحظة الحقيقة التي لا أختبار بعدها فإما أن تستمع إثيوبيا للمطالب المصرية التي يدعمها حاليا الجانب السوداني أو تتغير خريطة الشرق الأوسط بالكامل و أنا أعني ماذا تقصد هذه الكلمة بالتحديد لأن مصر عندما واجهت المؤامرة الصهيونية في عام ١٩٦٧ أنتصرت عليهم في حرب أكتوبر ١٩٧٣ و كانت نتائج هذا الأنتصار عالمية و أولها تحول مسار الثروة البترولية الهائلة الي الشرق بعدما كان أحتكارا للغرب وحده و تم هذا الأنتصار بفضل الله رغم أن العدو الصهيوني كان متقدما بكل وسائل الحرب خاصة القوات الجوية ذراع أسرائيل الطويلة و جيشها الذي كانت تتباهي به بأنه الجيش الذي لا يقهر و كان أنتصارا باهرا للسلاح و العقيدة العسكرية الشرقية علي السلاح و العقيدة العسكرية الغربية علي مستوي الصراع العالمي وقتها .
لقد كان لي الشرف أن أكون ممن تقابل مع رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل مليس زيناوي عند زيارته لمصر وكنت ممثلا لقطاع الفلاحين مع نقيب الفلاحين الحاج محمد عبد القادر رحمه الله و كان تركيزه أثناء اللقاء أن الفلاح المصري و الأثيوبي كلاهما يقتسمان كوب الماء للشرب و للري و أن أثيوبيا لا تضمر العداء للشعب المصري الشقيق وأن هذا السد و كان يسمي سد الألفية إنما هو لسد العجز في الكهرباء و التي هي قاعدة لنهضة و تنمية أثيوبيا و أثبتت الأيام و المواقف أن كل ما صدر من الجانب الأثيوبي إنما يخفي أهدافا تضمر الشر لمصر و تجعل التحكم في حياة المصريين بيد أثيوبيا و من ورائهم العدو الصهيوني بكل تأكيد و غيره من دول الصراع الأقليمي في الشرق الأوسط .
أما عن الموقف السوداني فلا يستطيع أحد المزايدة علي كون مصر و السودان شعب واحد وأن ما كان يقوم به النظام السوداني السابق أنما هو يخدم به أجندته الخاصة به و ليس مصلحة الشعب السوداني الذي يعيش الملايين منه في مصر و كأنه يعيش في السودان فلا فرق بين الشعب المصري أو السوداني و حسنا فعلت القيادة السودانية الحالية أنها أدركت الأخطار المحيطة بالسودان من وراء هذا السد و أن ما تقوم به مصر من مجهودات كبيرة لكبح أخطاره تصب في صالح كلا البلدين و لكن لابد للتفاوض المصري من توصيل الرسالة أننا نرحب بموقف الأخوة في السودان بخصوص السد و لكننا جاهزون لكل الاحتمالات و كل المفأجأت حتي اللحظة الأخيرة ولن يقبل الشعب المصري بالهزيمة في معركة يكون الثمن فيها حياته ..
مصر تواجه التحديات و هذا قدرها و لكنها دائما تنتصر و كلنا خلف القيادة السياسية و خلف المفاوض المصري و كل أجهزة الدولة التي تعمل في هذا الملف و خلف جيش مصر الذي أعلن جاهزيته للدفاع عن أمن مصر القومي .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا