نون لايت

إيهاب زغلول يكتب: الطاحونة..أصالة زمان وتراث ريفي لا ينسى

الطاحونة أحد أهم معالم القرى بريف مصر عامة ومحافظة الغربية خاصة لتمتع تلك المنطقة بأجود الأراضي الزراعية الخصبة وانتشار زراعة وتجارة وطحن الغلال ومحصول القمح والذرة والشعير

ويمتد تاريخ طواحين الغلال في ريف الغربية إلى عشرات السنوات، والتي سجلها الكاتب الكبير يوسف إدريس في قصته الطاحونة والتي جسدت قيمة هذه الآلة ليس لشهرتها فحسب بل لأنها شاهد عيان على حقب وعادات وتقاليد وذكريات ريف الدلتا وصراعات اجتماعية وسياسية عريضة امتدت عبر التاريخ المصري الحديث.

ومع تقدم الزمن وهجرة الفلاحين لأراضيهم والتي قام البعض «بتسقيعها» وبيعها، واستغلال السماسرة لها لتربح بآلاف الجنيهات، واحتراف الفلاحين مهنة غير مهنتهم، واكتسابهم عادات وطبائع غريبة ومصدرة من الحضر، تحولت القيم والعادات وتغيرت معها الذكريات الجميلة وأصالة الريف إلى أشياء أخرى مستنسخة وغير طبيعية، واختفت معها أشياء ومعالم وقيم وتراث عريض.

 حاولت استرجاع شيئا من ذكرياتي التليد مع «الطواحين» واعود الي بقايا الزمن الجميل لأستدعي تفاصيل المهنة الأصيلة، والريف الذي لم يعد ريفًا.

بدأت ذكرياتي مع واحد من أقدم الأشخاص الذي عملوا في مهنة الطحن ومن أقدم طواحين الغربية «طاحونة زغلول»: والذي مر على عملها في هذا المجال ما يقرب من ١٠٠ عام أو قرن منذ الزمان.. “يقول«عم المحمدي» «هذا  المكان فيه تربينا وجلسنا مع آبائنا، وفيه عشنا  أكثر ما عشنا في بيوتنا،  كنا دائما صحبة و”لمه” كان العمل ليل نهار».

ويضيف « عم المحمدي» لـ «نون»: « كانت ماكينة الطحن  بالفحم سنة 1940 ، وهنا كانت  حكايات  سعد باشا والنحاس وحكومة الوفد ومقاومة الإنجليز ثم ثورة 1952 ، وذكريات عبد الناصر وانتصار السادات،  كانت الآلة تدور والفلاحين تجتمع على “كنبة المكنة” في يوم الطحين السنوي، الذي يعد  في حياة كل أسرة عيدها».

ويتابع  عم «المحمدي» : « الناس الكبيرة كانت «بركة» والدنيا كان فيها خير والجمال كانت بتحمل من قرى المركز وتأتى للمكنة لأنها كانت من أقدم “المكن” اللي  كان موجود  بريف  السنطة وطنطا والمحلة وسمنود وكانت بدور بالفحم  وكان اللي أدخلها « الحاج محمد ثم ابنه الحاج أحمد»  وكان بيدورها ديزل ضخم ماركة «كورسلى» الإنجليزية المشهورة في ذلك الوقت واللي كان باستطاعته ري 1000 فدان وتحول الديزل مع تقدم العصر إلى السولار واستمر يعمل لسنوات في عهد السادات،  ومع دخول عصر مبارك وانتشار الكهرباء تم إدخال الكهرباء والعمل بها وتحول «كروسلي» الديزل الشهير لمجرد ذكرى وتحولنا من طحين الحجر الى ماكينات التروس  وجبنا الماكينات الجديدة علشان نلبى مطالب الناس لكن  طحين  القديم لا يعلى عليه» .

ويستطرد عامل الماكينة : «  كان هناك خير والناس كانت حريصة على أرضها وزراعتها وتشوين القمح والذرة حتى موسم الحصاد التالي،  ماكنش فيه حاجة اسمها نذهب «نجيب عيش من الطابونة» الفلاحين كانت «بتعجن الطحين» وبتصنع عيش فلاحي جميل «بتاوى» و«قرص» «أبوري» و«مشلتت» وطبعا كان له نكهة جميلة  كان الغرباء والمهاجرين وأهل الحضر  يأتون للريف عشان يتمتعو بطعمه وأكله الجميل و«الجبنة القريش» و«الحادقة» و«الزبدة» و«القشتة» والله الريف زمان كان ريف.

ويضيف «المحمدي» لموقع «نون»  : «لم يعد الريف ريف،  الأراضي «بتتسقع» وتتباع خرسانات والسماسرة فى كل مكان الدنيا « ماعد تش دنيا» الناس بتذهب على « الطابونة» والأفران البلدي اختفت ومنتجاتها الجميلة راحت والطحن في النازل، والموسم لم يعد يتعدى أسابيع،  لا طعم للحياة والناس الحلوة بتاعة زمان راحت،   بقينا في عصر «التوتوك» وفواتير الكهرباء والضرائب والمحليات تنقض على  الماكينات ربما لتقضي على أجمل شيء كان في القرية وتقضي ربما على تراث السنين» .

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  Fاشترك في حسابنا على فيسبوكو تويترلمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى