نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: الخيارات الصعبة

ونحن في شهر البركة والرحمة تحل علينا ذكرى أعظم الانتصارات في تاريخ هذه الأمة، وهى ذكرى العاشر من رمضان الذى سطر فيه المصريون بطولات لم يعرفها التاريخ من قبل عندما قهروا المستحيل أو ما يعرف بخط بارليف، وهو أكبر ساتر تمت صناعته في التاريخ بطول 160كم على الشاطئ الشرقي لقناة السويس.. وبات المصريون في حاجة الى معجزة لقهر المانع المائي ومن خلفه خط بارليف ومعهما قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تدعى بأنها الجيش الذي لا يقهر.

وبالفعل في مثل هذه الأيام المباركة حقق المصريون المعجزة وقهروا المستحيل وأعادوا لمصر والعرب العزة والشموخ والكرامة، وقبل أيام قليلة كانت ذكرى تحرير سيناء.. تلك البقعة الغالية من أرض مصر، والتي جعلت المصريين على مر التاريخ في تحد مع الخيارات الصعبة للحفاظ عليها وحمايتها وتأمينها.. ولم لا وهي أرض الأنبياء والرسل، وهى بوابة مصر الشرقية التي جعلتها مطمعا ومدخلا للهكسوس والفرس وغيرهم، ولعل إنشاء الملك أحمس الأول عدة قلاع حربية في طريق حورس الحربى بعد طرد الهكسوس على أرض سيناء دليل قاطع على خصوصية سيناء من آلاف السنين.

لا شك أن شبه جزيرة سيناء تحظى بمكانة متميزة وخاصة في قلب كل مصري لأسباب كثيرة ومتعددة، فهي ليست فقط مساحة من أرض الوطن واجب الحفاظ عليها.. وإنما هي الأرض المباركة والمقدسة التي ارتوت بدماء آلاف المصريين على مر العصور، وهى البقعة الوحيدة في المعمورة التي تجلى عليها المولى عز وجل وكلم فيها سيدنا موسى، وتنقل في أوديتها معظم الرسل والأنبياء، وهى الأرض التي اختصها الله في كتبه الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن.

سيناء بحكم التاريخ والجغرافيا لها مكانة استراتيجية وموقع متميز في العالم كله وتربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، كما أنها أرض الثروات والكنوز الطبيعية، بدءاً من الأرض الصالحة للزراعة وأخرى بها ثروات تعدينية متنوعة وثالثة زاخرة بالثروات البترولية وحتى رمالها تمثل ثروة لندرتها إضافة الى شواطئها وشعابها المرجانية الفريدة التي تمثل ثروة سياحة هامة.. وربما لا يدري كثيرون أن مساحة سيناء أكبر من مساحة دول، وهي أكبر من مساحة فلسطين وإسرائيل ولبنان مجتمعين، وطبيعتها الجغرافية والجبلية جعلتها ملاذاً لبعض الإرهابيين وتكرار محاولاتهم للنيل من عناصر قواتنا المسلحة الباسلة التي تقف لهم بالمرصاد ولن تفلح كل هذه المحاولات البائسة في زعزعة عزيمة خير أجناد الأرض.

الخيارات الصعبة لم تكن فقط في الحروب للحفاظ على سيناء، وإنما كانت ايضاً في تنمية سيناء عندما قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي وضع سيناء على أولوية مشروعات التنموية في مصر بالعبور الثاني اليها، عندما قرر ربطها بالدلتا من خلال شبكة أنفاق عملاقة جعلتها جزءا لا يتجزأ من الوطن، وهو أمر سوف يحدث ثورة تنموية على أرضها في شكل مدن جديدة واستصلاح مساحات كبيرة للزراعة وانشاء شبكة طرق حديثة وانشاء مرافق صحية وتعليمية وصناعية بلغت تكلفتها حتى الآن حوالى 600 مليار جنيه، وهو أمر من المؤكد سوف يغير الخريطة السكانية في أرض الفيروز ويسهم في اكتشافها من جديد واستغلال ثرواتها، كما أنه أمر يساهم في دحر الإرهاب بها بالتوازي مع جهود القوات المسلحة وجهاز الشرطة.

نأتي الى خيار جديد صعب نواجه الآن اقتصادياً بسبب فيروس كورونا الذى شل حركة العالم، ويهدد كثيرا من الدول بالسقوط اقتصادياً الى حد أننا بتنا أمام خيارين كلاهما صعب سواء بالحفاظ على صحة المواطنين على حساب الاقتصاد أو العكس.. ومع استمرار الجائحة وتبعاتها الاقتصادية التي تئن منها شرائح اجتماعية كثيرة بات التعايش مع الفيروس هو السبيل للحد من آثار الجائحة على ملايين المواطنين، وبات الرهان معقودا على سلوك المواطنين وحتى نكون واقعيين، فإن المشاكل الاقتصادية المتعددة التي بدأت تظهر ملامحها على شرائح كثيرة في المجتمع لا تملك رفاهية الحظر المنزلي وتضطر للخروج لممارسة أنشطتهم، والتحصل على بعض الموارد، ولذلك نلحظ الزحام في الأسواق وبعض المناطق الشعبية والمناطق التجارية لأنها في حاجة ماسة لهذا المورد، وهو أمر يدعو الحكومة الى إعادة النظر في الاجراءات وساعات الحظر التي أدت الى شلل وركود في معظم الأماكن التجارية، وأصابت ملايين البشر بالفقر والبطالة.. ويجب أن يكون الاعتماد في المرحلة القادمة على التوعية والتباعد الاجتماعي كبديل وقائي بعد أن بات الجوع والفقر له نتائج أكثر خطورة من الفيروس، خاصة أن الدراسات والمعلومات المتوفرة الآن عن الفيروس يمكن أن تقلل من النتائج السلبية له على المجتمع.

حمى الله مصر من كل سوء.

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

  t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى