لم تكن مشاهد القوات الخاصة الإسرائيلية “المستعربين” وهم يندسون بين المواجهات في الضفة الغربية خلال الأحداث الأخيرة جديدة واستثنائية، حيث تحفل الذاكرة الفلسطينية بالسجل الدموي لهذه المجموعات.
المستعربون، أو الوحدات الإسرائيلية الخاصة، أو فرق الموت، أسماء دارجة في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني لجنود إسرائيليين يتنكرون بلباس فلسطيني، ويرتبط الاسم بذكريات القتل والدم والتنكيل.
وتعود غالبية عمليات الاغتيال والاعتقالات التي تنفذ لشخصيات تصنف إسرائيليا على أنها خطرة لهذه المجموعات التي تشكل رأس حربة لجيش الاحتلال في عملياته في الضفة الغربية.
وتتشكل هذه المجموعات من جنود يتم انتقاؤهم ضمن وحدات مختارة ويخضعون لتدريبات خاصة، كما أنهم يدرسون على مدار سنوات تاريخ العرب والفلسطينيين ويتعلمون لغتهم وعاداتهم، كما أنه يختار لها في الغالب ذوي البشرة القريبة لملاح العرب.
معهد تفريخ المستعربين
وأنشأ جيش الاحتلال معهدا خاصا لتدريب وتأهيل المستعربين يقع في معسكر (أدام) الواقع شمال طريق القدس ـ تل أبيب، ولكنه معهد غير تقليدي، فهو قرية صناعية تحاكي قرية فلسطينية بكل تفاصيلها الدقيقة ويعيش فيها المستعربون كل تفاصيل الحياة الفلسطينية حتى أنهم يؤدون الصلوات ويقرؤون القرآن.
كما أن عناصر هذه الوحدات ينتحلون شخصيات غير صفتهم العسكرية كمزارعين أو طلاب معاهد دراسات شرقية أو باحثين انثروبولوجيين ويعيشون فترات طويلة مع بدو النقب أو القرى العربية في الجليل، وحتى في بعض الدول العربية بشخصيات مزيفة.
وما يسمح به لجنود الاحتلال لا يسمح به لوحدات المستعربين، فيحظر عليهم توسيع علاقاتهم الاجتماعية، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
70 عاما من القتل
ويسبق تاريخ إنشاء وحدات المستعربين تاريخ إنشاء “إسرائيل”، فقد لجأت لها العصابات الصهيونية منذ عام 1943، وبعض الدراسات ترجع تاريخ استخدامهم إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
وحملت أول وحدة “مستعربة ” أقامتها منظمة ” البلماخ ” الصهيونية اسم “الدائرة العربية” وتخصصت بالتجسس وتنفيذ العمليات التخريبية واستهداف الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية والدول المجاورة واستمر عمل الوحدة من عام 1943- 1950.
وتولى إقامة هذه الوحدة عام 1943 رئيس الدائرة السورية في منظمة ” البلماخ” يروحام كوهن وتشكلت من اليهود المنحدرين من الطوائف اليهودية الشرقية.
أسوأ حادثة بتاريخ المستعربين
وفي لقاء أجراه موقع “واللا” العبري مع قائد وحدة المستعربين الصهيونية الخاصة والأكثر سرية فيها “الدوفدفان” الملقب “ي”، فإن أكثر ما يخشاه الأخير هو النيران الصديقة أو عملية خطف مستعرب أثناء أدائه لمهمته.
وتحدث “ي” عن أهم إنجازات وانتكاسات هذه الوحدة وسلط الضوء على طبيعة عملها السري، واعتبر أن أكبر كارثة حلت بالوحدة كانت خلال شهر أيلول من العام 2000 حين تورطت قواته بكمين مزدوج نصبته في الضفة في حينها قائد كتائب القسام في الضفة محمود أبو هنود في بلدة عصيرة الشمالية قرب نابلس، واشتبكت مع بعضها البعض عن طريق الخطأ الأمر الذي أودى بحياة ثلاثة جنود من خيرة مقاتلي الوحدة، على حد تعبيره.
ويشير “ي” إلى إقالة قائد الوحدة في حينها من منصبه في أعقاب الإخفاق الكبير في القبض على أبو هنود أولا والمسؤولية عن مقتل الجنود ثانياً في عملية وصفت بالأفشل في تاريخ الوحدة.
المستعربون الانتحاريون ” متسادا”
وهناك مجالات مختلفة لعمل المستعربين بعضها كشف عنه الاحتلال بعد عقود من العمل وبعضها ما زال طي الكتمان، ولكن أكثر أعمال المستعربين قسوة هو تلك الوحدة التي توصف ب” الانتحارية” والتي كشفت عنها مخابرات الاحتلال قبل عامين والتي تتمثل في غرس يهودي على أنه عربي ليقضي بقية حياته فلسطينيا أو عربيا لصالح جهاز الموساد.
وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن أوج استخدام هذا النوع من التجنيد كان في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، مستفيدين من عمليات اللجوء والتهجير وغياب البيانات وتداخل المجتمعات والدول ونشوء التنظيمات والجماعات في غرس يهود على أنهم عرب يلتحقون بصفوف الثورة.
وأوردت وثائق الاحتلال حكاية لأحد تلك القصص تتعلق بقيادي فلسطيني عاصر الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ إنشائها وتوفي في ثمانيات القرن الماضي ودفن على أنه فلسطيني وتعيش عائلته في ألمانيا مكونة من زوجته الفلسطينية وابنه وابنته الفلسطينيان الذين لا يعرفان حتى الآن سوى أن أبوهما مناضل فلسطيني.
واعتبرت وثائق الاحتلال أن هذا هو النموذج الأكثر قسوة للعاملين في أجهزة الاحتلال الأمنية، حيث يوقع الشخص على تعهد بأنه وهب حياته لدولة “إسرائيل” كما يوقع والداه بأنه ليس من حقهما حتى مجرد السؤال عنه.
وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن عناصر في هذه الوحدة وبعد سنوات من عملهم وبعد أن وصلوا مراحل متقدمة في دول مختلفة رجوا مشغليهم مجرد الاتصال التلفوني بعائلاتهم للاطمئنان عليهم، كما أن عائلاتهم توسلت بعد 10 و15 عاما للموساد التواصل مع أبنائهم ولو تلفونيا، وقوبل ذلك بالرفض.
وحسب ادعاء استخبارات الاحتلال فإن هذه الوحدة حلت وجمد التجنيد لها في سبعينات القرن الماضي في حين استمر عمل بعض عناصرها ممن جندوا سابقا حتى الممات.
وعبرت المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني عن القلق البالغ جراء توسع استخدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوحدات المستعربين في المواجهات الجارية في الأراضيالفلسطينية المحتلة، والذين تتركز مهمتهم في عمليات جمع المعلومات، أو التصفية، أو الاختطاف، أوتفريق متظاهرين.
واعتبرت الحسيني ذلك بأنه عمل غير قانوني ينتهك مبدأ”التمييز” بين المدنيين والمقاتلين، والذي يُلزم المقاتلين بتمييز أنفسهم عن المدنيين وفق اتفاقيةجنيف الثالثة والرابعة.
وقالت إن عدم تمييز وحدات المستعربين لأنفسهم عن المدنيين يعد حظرًا أعلى وفق القانون الدوليالإنساني، موضحةً أن تنكر الجنود بملابس مدنية يحبطون في ذلك تطبيق مبدأ التمييز ويعرضونالمدنيين للخطر.
وأوضحت أن طريقة اعتقال وحدات المستعربين للفلسطينيين، كما ظهر من خلال التسجيلات، فيهاالكثير من العنف، وتشكل مخالفة جسيمة للقانون الدولي الإنساني، لأنها تعد من وسائل الغدر، والتيتخللها ضرب المعتقل بصورة وحشية غير مبررة، الأمر الذي يعتبر شكلًا من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة