نون والقلم

منيب رشيد المصري يكتب:.. وخلاف ذلك فإننا سائرون نحو الهاوية

بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة الإسرائيلية بين الأحزاب السياسية الأكثر تطرفا وعنصرية وكرها لكل ما هو فلسطيني وعربي، لا بل كرها لكل ما هو غير يهودي، لا بد لنا نحن الفلسطينيون أن نعيد ترتيب أوضاعنا لمواجهة المرحلة القادمة التي تتسم بإصرار حكومة إسرائيل الجديدة على استكمال مشروعها في ضم غور الأردن وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وبذلك تكون إسرائيل قد أنهت اتفاق أوسلو بشكل كامل، وقضت على أية آمال لدى بعض الفلسطينيين بأن هناك فرصة لتحقيق السلام ضمن نصوص هذا الاتفاق التي الغته إسرائيل فعليا منذ أيلول عام 1999، بما في ذلك «حل الدولتين»، والدخول في أية مفاوضات تفضي إلى هذا الحل.

الاتفاق بين أقطاب النظام السياسي الإسرائيلي على ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية يضعنا أمام حقائق مهمة وأسئلة كبيرة لا بد لنا أن نجيب عليها، ونضع لأنفسنا رؤية وطنية شاملة تتعامل مع المرحلة الأصعب في تاريخ القضية الوطنية الفلسطينية، أساس هذه الرؤية هو أننا جميعا في خندق واحد، وأن الكل الفلسطيني مستهدف، فإذا لم ننجح في ذلك وبقينا متمسكين أو مختبئين تحت شعار «المصلحة الوطنية العليا» ونحن في الحقيقة نتشبث بمصالحنا الفئوية والشخصية، فإن الانهيار الكبير قادم لا محالة، فالاتفاق والوحدة بين الكل الفلسطيني في هذا الظرف الصعب هو طوق نجاتنا، وقد يكون المحاولة الأخيرة قبل الضياع الشامل.

في ظل تردي الأوضاع الداخلية بكافة مفرداتها، وفي ظل انسداد الأفق لحل سياسي يتوافق والحد الأدنى مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب، فإن هناك أهمية وضرورة للاتفاق على رؤية وطنية شاملة تُهيئ الأرضية للرد على الحكومة الإسرائيلية، وعلى المشروع الأمريكي – الصهيوني المتمثل بـ صفقة القرن لإسقاطه، وهذا يتطلب حشد الطاقات محليا وعربيا ودوليا، عبر وضع رؤية واضحة المعالم قائمة على مجموعة من الخطوات أهمها:

أولا: العمل بشكل فوري على إنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي وذلك من خلال ما تم الاتفاق عليه في القاهرة عام 2017، و2011، بما في ذلك تنفيذ قرارات المجلس المركزي التي صدرت عام 2015، و2018-، كمدخل هام لمستقبل وطني أكثر وضوحاً يستجيب لتنفيذ الرؤية الوطنية لمواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية، وصفقة القرن، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني من الاندثار، وهذا يتطلب شراكة حقيقية بين جميع المكونات السياسية، والحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من أجل حماية المشروع الوطني وإعادة اللُحمة الداخلية، بعيدا عن التشكيك والتخوين والتكفير.

مع التأكيد على أهمية تجديد الشرعيات داخل مؤسسات وأطر منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع للكل الفلسطيني، وأيضا تحديد دور السلطة ووظائفها وعلاقتها مع م. ت. ف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إدارة الشأن العام الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة.

ثانيا: العمل على استدامة الدورة الحياتية العامة للمواطن الفلسطيني، وهذا يتطلب حصر كافة الموارد المالية التي تُغذي الموازنة الفلسطينية، والاستعانة و/أو الاستدانة،- ضمن الإمكانيات المتاحة وبما لا يخلخل العمليات المالية والاستثمارات-، من القطاع الخاص الفلسطيني في الداخل والخارج، ومن الصناديق العربية والإسلامية المتاحة، وذلك من أجل تشكيل شبكة أمان مالي للسلطة الوطنية الفلسطينية تستطيع من خلالها إدارة الحياة العامة بالحد الأدنى، بعيدا عن التمويل الخارجي المشروط الذي يمكن أن يَشكل أحد مصادر الضغط على الموقف الوطني الفلسطيني.

ثالثا: التأسيس لإطلاق حركة مقاومة شعبية شاملة وواسعة النطاق، وسيكون من المحفّزات لإنجاح هذا الفعل المقاوم هو إعادة تعزيز الثقة بالقائمين على المشروع الوطني، وشعور الجميع بأنهم في خندق واحد. وأيضا وفي ذات السياق يمكن التحرك عربيا من خلال البرلمانات العربية، والأحزاب والحركات السياسية المناصرة للقضية الفلسطينية العربية والعالمية، لدعم وإسناد الرؤية الوطنية وحركة الشارع الفلسطيني في مقاومته الشعبية وصولا إلى إسقاط صفقة القرن، وقرارات الحكومة الإسرائيلية بضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية.

رابعا: التوجه إلى الإعلان عن استعداد منظمة التحرير الفلسطينية، لاستئناف المفاوضات بما يكفل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة، من خلال الدعوة لمؤتمر دولي لحل الصراع على أسس الشرعية الدولية وليس وفق الرؤية الأمريكية – الصهيونية.

الحقائق التي تفرضها إسرائيل على الأرض بدعم من الإدارة الأمريكية، تتطلب من القيادة الفلسطينية، ومن كل الأحزاب والتنظيمات، اتخاذ موقف حاسم وواضح ومختلف عن المواقف التي اتخذتها في السابق، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع إنهاء الانقسام والاتفاق على برنامج سياسي واحد وجامع، فالوضع الحالي يتطلب تغيير المسار السياسي القائم، واستبداله بمسار مواجهة شاملة مع المشروع الصهيوني، ينطلق من وحدة الأرض والشعب والمصير الواحد المشترك، والذهاب فورا، وبعد الإعلان عن إنهاء الانقسام، إلى مؤتمر وطني واسع التمثيل للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، تنبثق عنها خطط وسياسات وإجراءات تتعامل مع الواقع الحالي وتعمل على تغييره باتجاه تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

إن الوصول إلى توافق وطني وبرنامج سياسي، وتسخير كل طاقات الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي والابتعاد عن التشكيك والتخوين، يساعدنا في مواجهة كل ما يحاك ضد مشروعنا الوطني ويسهل علينا الوصول إلى حقوقنا المشروعة، لقد حانت الآن لحظة الحقيقة، والساحة مفتوحة للعمل، فلنعمل من أجل فلسطين حرة ديمقراطية تتسع لجميع مواطنيها، وخلاف ذلك فإننا سائرون نحو الهاوية.

    tF اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى