رغم أجواء الحصار التي فرضها علينا البيه «كورونا» إلا أنه لم يفرض حصاره البغيض على بهجة رمضان وأجواءه المميزة، حتى وإن كانت ستتوارى قليلًا بفعل الفيروس اللعين، إلا أنها ستستمر نبض بالحياة في عقلي وقلبي بل وقلوب كل منا..
أنا من ابناء الأحياء الشعبية العتيقة؛ والتي تعلمنا بين أرجائها معاني القيم الأصيلة، اتذكر يومًا وجدنا جلبة شديدة اسفل المنزل، وقتها استطلعت الأمر فوجدت أحدهم يعد نفسه ويضع حاجياته للعمل في صناعة الكنافة البلدى دون اعتراض من أحد بل محبه ودعم ومساعدة، ولهذا طوال أيام الشهر الكريم، كنا نستمتع بانفاسها تتصاعد بيننا، اتذكر أنني كنت اقوم من نومي في الصباح واجلس في البلكونة اتابع مسيرة صناعة الكنافة في سعادة غامرة.. فأصبحت انفاسها بالنسبة لي أحد مظاهر رمضان ذكرياته، وحتى يومنا هذا كلما مررت على الكنفاني اتوقف للشراء وألتقاط انفاس بهجة رمضان وذكرياته في قلبي.
اتذكر رحلتي بوصفي الأبن الأوسط في العائلة يوميًا قبيل الأفطار للذهاب إلى مكان بعيد للغاية يرشحه والدي لي لشراء «الطرشي البلدي» وهي المهمة التي يكرر على مسامعي حولها العديد من التنبيهات حتى يتسم بالجودة والطعم الذي يرغبه..!
اتذكر مسابقة احمدك يارب.. والتي كانت أولى مسابقات الشهر الكريم التي كان تمولها شركات الريان لتسويق نفسها في السوق المحلية، وكيف أنني كنت ابحث في المصحف الشريف عن رقم الآية التي يدور حولها سؤال المسابقة، ثم اذهب إلى احدى المقاهي والتي يتواجد بها «تليفون» لتسجيل الاسم والإجابة، وهو الأمر يحدث دون ان يتقاضى مني صاحب المقهى أي مقابل مادي؛ نظير أن ابلغه بالإجابة ليقوم بدوره بعد انتهائي من التسجيل، بالاتصال لنفسه ومن يرغب من عائلته..!
اتذكر اللهفة التي أكون عليها وانا اشاهد فوازير عمو فؤاد للمخرج محمد رجائي، والتي بمجرد أن اتسمع مقدمتها الغنائية أشعر أن المغرب اقترب، مما يعني اقامة حفل الافطار اليومي للعائلة، والذي كان حفلًا ليس بنوعيات الطعام ولكن بألفة القلوب.!
اتذكر صوت الشيخ محمد رفعت، وصوت القرآن الذي لا ينقطع بين جنبات البيت حيث كانت والدتي تنصت له بشدة، فقد كان بديلا لها عن القراءة في المصحف كونها أميه لم تتعلم القراءة ولا الكتابة.. وكيف أنها بعد العصر تبدأ في الترتيب للطعام، والذي لابد وألا يخلو من طبق الفول “المسلح” والخروب والعرقسوس، حتى ولو كانت هناك ألوان مختلفة من الطعام والشراب، فأصبح الفول بالنسبة لي طقس رمضاني يومي على الافطار حتى يومنا هذا..!
اتذكر صديق عمري الذي عندما تقارب الساعة الثانية عشرة ليلًا، اسمع صوته ينادي لنذهب سويًا إلى المقهى والجلوس به حتى قبيل السحور، كنا نتحادث في أي شيء وفي كل شيء، وسط أجواء يغلفها صوت أم كلثوم وهي تتجلي برائعتها “يامسهرني”..!، ثم العودة بالزبادي والفول والتي ألتزم في شرائها بوصية والدي بالمكان والمقدار والنتبيهات على البائع حولهما..!
اتذكر نظرات التلصص التي كنت اتابع بها احدى الفتيات التي اصبحت اسيرًا لها ولحبها.. وكيف كنت اطوف في نهار رمضان بالقرب من مسكنها لمجرد الشعور بالونس انها قريبه.. وغالبًا ما كنت دائم الصلاة في احد المساجد القريبة لها، رغم البعُد عن المكان الذي اعيش فيه بذلك الوقت، حتى يتقبل الله دعائي واشاهدها حتى ولو من بعيد..!!
ومع نسمات رمضان، ليحمل كل منا ما في قلبه من ذكريات ويجعلها تغلف روحه ووجدانه خلال الشهر الكريم.. وتفاءلوا بأن الله سبحان وتعالى سيزيل الغمة وينتهي الحصار عما قريب ونستعيد اجواء رمضان التي عشناها في الماضي لتستمر في الحياة خلال المستقبل.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية