نون والقلم

أميرة عزت تكتب: جعلوني مجرمًا

من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولًا بحجر«  تلك الآية المقدسة من الإنجيل»، يرددها المسيحيون والمسلمون دائمًا عندما نقابل موقف مشابه، كالذي حكي عنه إنجيل يوحنا عن امرأة أمسكها الكتبة والفريسيون في ذات الفعل  ويريدون من السيد المسيح أن يحكم عليها ويدينها فبدأ يكتب على الأرض، وقال تلك الآية: «ثم التفت إلى المرأة وقال لها، يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟، فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».

تتصدر هذه الآية مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» حينما يؤج من الإدانات التي تلقى على أشخاص ظهرت أخطاء لهم، ويتكالب قطاع عريض ليطاول ويدين بل ويصل إلى السباب والشتائم وإلقاء التهم، ففجأة يتحول الجميع إلى آلهة، ينصبون أنفسهم للحكم على الآخرين غير مبالين أن الفرق بينهم وبين هؤلاء هو الستر فقط.

كل يوم تتكرر القصة بنفس النمط، يظهر خبر عن شخص ارتكب خطأ ما، يتدواله رواد التواصل الاجتماعي، أتذكر جيدًا قضية شيما الحاج وكيف تعامل معها الناس عندما أعلنت خبر خطوبتها، وكم الإدانات والصرخات حول كيفية إتمام ذلك،  بعد انتشار فيديوهات غير الأخلاقية لها مع المخرج خالد يوسف.

واليوم نكرر نفس الشيء مع طالبة عمرها لا يتعدي الـ 19 سنة طالبة بكلية الآثار جامعة القاهرة هي حنين حسام، أطلقوا عليها رواد «السوشيال ميديا»، «فتاة التيوك توك أو اللايكي»، تلك الفتاة التي كغيرها من أي إنسان تعامل مع هذه البرامج نتيجة فترة الحظر التي نعيشها منذ أكثر من شهر بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي بالتزامن معه ظهرت البرامج الترفيهية التي استخدمها الكثير من الشعب من مختلف المهن والطبقات والأعمار، وكانت هذه الفتاة واحدة منهم وقد يبدو أنها لم تعرف أضرار هذه البرامج فتعاملت معها بشكل مستمر واتخذت منها فرصة عمل لها ودشنت وكالة إعلانية لها، جلبت من خلالها فتيات أخريات للعمل معها والترويج لهذه التطبيقات.

لا أعلم حقيقة الأمر بشكل كامل، هل كان هدف حنين العمل فقط أو كان الهدف ما نشر عنها بقيامها ببث فيديوهات تتنافي مع الأخلاق، ولكن ما رأيته من فيديوهات لها لم أر فيه ذلك، ولكن رأيت فتاة خرجت بفيديو تتحدث باستغراب وصدمة بعد أن قررت الجامعة تحويلها للتحقيق لذلك السبب، وتوضح أنه كان هدفها العمل وأن المبالغ الطائلة من هذه البرامج تعود بالنفع عليها وعلى من يعمل معها، مشيرة إلى أن الجميع يعمل بها، وعقب ذلك ألقت وزارة الداخلية القبض على حنين بتهمة بث فيديوهات تحرض على الفسق والفجور.

لا نعترض على تطبيق القانون ووضع نظام وقواعد نسير عليها، ولكن لماذا يطبق القانون علي شخص وآخر لم يطله، إذا كانت الداخلية وجدت ضرورة ضبط حنين فلماذا لم تقم بالقبض على كل من يقوموا بتخريب عقول أجيال ربما تكون حنين نفسها ضحية منهم، ويظهرون على الشاشات يوميا، أين الرقابة عليهم؟ ولماذا لم تلقوا بالقبض عليهم؟ وهل ما قامت به جامعة القاهرة يعد واجبها التربوي نحو طلابها؟ فإذا تحدثنا عن خطأ الطالبة فهذا لا يمس الجامعة من بعيد أو قريب، هذا من الجانب القانوني لأنها لم تفعل شيء داخل الجامعة ولم يوجد دليل على وجود فيديوهات تبث محتوى غير أخلاقي وإنما الفيديو لا يوجد به أي مكالمة غير لائقة.

هل بهذا نصلح المجتمع، ونبتر الأشياء غير الأخلاقية الدخيلة على مجتمعنا، بعد التطور التكنولوجي، والحرب الفكرية التي نواجهها في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي وصل إليها العالم، أعتقد أننا نصنع مجرمين ولسنا نصلح ولكننا نغلق البابا أمام من وقع في الخطأ عن جهل أو حتى وقع عن علم ووعي ولكنه رجع عنه وقرر يبدأ حياة جديدة مختلفة، ففي خطوبة شيما الحاج تهجم عليها رواد التواصل الاجتماعي وبدأو يطاردونها بوصمتها وكأنها ليس لها حق التوبة عن خطأ ظهر لهم وهما يخطأون خلف الأبواب، وفي قصة حنين بدلا من أن نعي خطورة التكنولوجيا الحديثة على عقول أولادنا.

فلنبدأ بالتفكير في حل هذه المشكلة من جذورها بعمل دورات تدريبية توعي الطلاب بإيجابيات وسلبيات تلك البرامج وإذا كان لها فوائد كيف تستخدم ، فكان على الجامعة أن تقوم بواجبها التربوي والعلمي بهذا الشكل، وكان على المجتمع ألا ينجرف ويضع اتهامات ليس له فيها أمر أو حتى سلطة، وكان على الداخلية أن تقوم بتطبيق القانون على الجميع حتى لا تخرج تلك الفتاة فتوجه المجتمع بشكل أشرس وتتحول بالفعل كما ادعو عليها أو اتهموها أو حتى لو كان هذه الشائعات حقيقة مثبته عليها ، فسوف  يكون واقع شعورها بالظلم من تطبيق القانون عليها دون غيرها، من الممكن أن يحولها إلى مجرمة صنعها المجتمع.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

    t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى