منذ أن بدأت أزمة سوريا والمتاجرون بالجهاد يتلاعبون بهذا الحكم الشرعي العظيم، الذي له أحكامه وضوابطه وشروطه المحكمة البيِّنة، والتي من أهمها إذن ولي الأمر، وأن يكون تحت راية صحيحة جلية واضحة، وهو ما يفتقده كل المتاجرين بالجهاد، فلا يعدو ما يفعلونه في حقيقة الأمر عن كونه اقتتالاً وصراعاً على مصالح وأغراض.
وإن سموا ذلك جهاداً فإن التسمية لا تغير من الحقيقة شيئاً، وإن استخدموا الشعارات البراقة للتمويه، فإنها لا تغيِّر من المضامين الزائفة شيئاً، وهكذا تكالب هؤلاء يلبِّسون ويدلِّسون، وينادون برفع راية الجهاد المزعوم لتحقيق مآربهم، معرضين تمام الإعراض عن شروط الجهاد وضوابطه، ضاربين بعرض الحائط فتاوى العلماء الأثبات الذين اعتبروا مثل هكذا اقتتال فتنة، فالشروط منعدمة، والرايات مختلطة، والجهات والتنظيمات متعددة، فهذا يقتل هذا، وذاك يقتل ذاك، ولربما لم يدر القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيما قُتل، ولربما استُرخصت الدماء، وانتُهكت الأعراض، وسُلبت الأموال، واستُخدم الشباب شر استخدام، دون أدنى وعي ولا علم ولا إدراك، وكم سمعنا من قصص أولئك العائدين من تلك الساحات وهم يحكون واقعاً مريراً لا يخفى على ذوي البصائر والألباب.
ثم بدأت وتيرة نشاط هؤلاء المتاجرين بالجهاد تزداد بعد دخول روسيا في سوريا، حيث وجدوا في ذلك فرصة لهم لتغذية فتاواهم في الجهاد المزعوم، فاشتد مكرهم، وكثر سعيهم للتلاعب بعقول الشباب البسطاء، حتى زعم منهم من زعم أن الجهاد أصبح هناك فرض عين، وأن الناس أضحوا بين فسطاطين فسطاط إسلام وفسطاط كفر، وهم في ذلك يرمون إلى إعادة سيناريو أفغانستان، وذلك ليستنزفوا قدرات وطاقات الدول والشعوب ليحققوا أجنداتهم، ويستهدفوا شباب السعودية والكويت وسائر دول الخليج، ليغرروا بهم، ويجعلونهم كبش فداء في مقدمة الاقتتال، متلاعبين بأدلة الشرع الحنيف من القرآن والسنة، معرضين عن أقوال العلماء المعتبرين، محرفين للحقائق الشرعية، مدعين أن ما يدعون إليه هو جهاد في سبيل الله، وأن النصر قادم لا محالة، وأنهم يرون الملائكة تؤيدهم، وأن الكرامات تنزل عليهم من بين أيديهم ومن خلفهم كذباً وزوراً وإمعاناً في خداع الشباب والتغرير بهم.
فعلى الشباب وبالأخص شباب الخليج ألا ينخدعوا بمثل هذه الدعاوى الكاذبة، وأن يحكِّموا شرع الله تعالى في نفوسهم، ويحكِّموا عقولهم، فلا ينجرفوا وراء حماسات منفلتة، ولا يغتروا بهؤلاء المتاجرين مهما زخروا من عبارات، فإنهم دعاة فتنة، فإننا لو نظرنا إلى شروط الجهاد لوجدنا أنها غير متوفرة في القتال الذي يزعمونه جهاداً، ولو نظرنا فيمن يفتي بالجهاد لرأيناهم متناقضين في ذلك، فهم أول المتخلفين عنه، يقولون ما لا يفعلون، ومنهم من يؤثر التلذذ والتمتع بأموال الآخرين باسم التبرعات وغيرها، ولا أدل على كذبهم وتناقضهم من أنهم لم يوجهوا سهامهم ضد داعش ولا غيرها من التنظيمات الإرهابية.
ولم يشيدوا بالجهاد الشرعي الذي قامت به قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، هذا التحالف المبارك الذي لم يدخل فيه جندي إلا بإذن ولي أمره، والراية فيه مرفرفة مشرقة متلألئة، ومع هذا لم نر كثيرا منهم يسمونه جهاداً، أو يثنون على القائمين عليه، مما يعطي للعاقل مؤشراً بأنهم ليسوا سوى كذبة متلاعبين بالعقول، وأن لهم أجنداتهم الخاصة التي يريدون تنفيذها تحت مظلات دول وجهات معادية لدول الإسلام، فهم يهدفون إلى تصفية الشباب المسلم الذين هم عماد الحاضر وأمل المستقبل، ويهدفون إلى زعزعة أمن واستقرار الدول الإسلامية، من خلال بث ثقافة التكفير والتطرف وثقافة الجهاد غير الشرعي ليخدعوا به البسطاء من الناس.
فعلى الشباب أن يكونوا على وعي بذلك، وأن يدركوا مخاطره وأبعاده، وألا ينساقوا وراء الفتاوى المضللة، وألا يسلموا عقولهم إلى أولئك المتاجرين، وأن يتسلحوا بالعمل الصالح والعلم النافع والثقافة الصحيحة التي تحصِّنهم من تلبيس هؤلاء، وأن يلتفوا حول ولاة أمرهم، ويحافظوا على أمن أوطانهم، ولا يكونوا كغيرهم من الشباب السذج، الذين ربما توهموا أن مناطق القتال والصراع ساحات نزهة ومغامرة، يفرغون فيها عواطفهم الملتهبة، من دون تحكيم لشرع أو عقل، فكم جنت العواطف المنفلتة حتى عصفت بأصحابها فخسروا دينهم ودنياهم.
ومن هنا فإني أدعو حملة العلم الشرعي أن يجتهدوا في بيان الأحكام الشرعية الصحيحة المتعلقة بهذا الباب، ونقض الشبهات الخدَّاعة حتى لا تروج في أوساط الشباب، فلا سلاح أمضى في مقارعة المتاجرين بالدين من سلاح العلم والتوعية وبناء العقول الرشيدة، كما أدعو المثقفين إلى أن يسخروا أقلامهم نثراً وشعراً على نور وبصيرة في تعزيز هذه المخرجات التي تحفظ لنا أوطاننا، وتصون أمننا واستقرارنا، وتديم وحدتنا وتكاتفنا، وتحمي شبابنا، فالمثقف الحق يعيش هموم واقعه ومجتمعه، ولا أهم أكبر من هم صيانة ديننا الإسلامي الحنيف من المظاهر والسلوكيات التي تشوهه، خاصة أفكار التطرف والتشدد، ولا أهم أكبر من هم صيانة وطننا من المهددات والأخطار التي تستهدفه.